<63> قال الحبر، إن الفلاسفة لمعاذير إذ كانوا قوما لم يرثوا علما ولا دينا، لأنهم يونانيون، ويونان من بني יֶפֶת ساكني الشمال، والعلم المورث من لدن آدم وهو العلم المؤيد بأمر إلهي إنما هو في ذرية سام الذي هو صفوة نوح لم يزل العلم ولا يزال في تلك الصفوة من آدم. وإنما صار العلم في يونان مذ صارت لهم اليد الغالبة، فانتقل العلم إليهم من فارس، وإلى فارس من الكسدانيين ونبغ فيهم الفلاسفة المشهورون في تلك الدولة لا من قبل ولا من بعد، ومذ صارت الدولة إلى الروم لم يقم فيهم فيلسوف مشهور.
<64> قال الخزري، إن هذا يوجب أن لا يصدق أرسطوطاليس في علمه.
<65> قال الحبر، نعم انه خلف(كلف؟) ذهنه وفكرته لما لم يكن عنده خبر من يثقه تقليدا، فتفكر في أوائل العالم وأواخره، فصعب على فكره تصور الابتداء كما صعب ايضا القدم، لكن رجح قياساته القائلة بالقدم بمجرد فكره، ولم ير ان يسأل عن تاريخ من كان قبله، ولا كيف انتسب الناس، ولو كان الفيلسوف في أمة يرث مقبولات ومشهورات لا مدفع له فيها، لصرف قياساته وبرهانه في تمكينه الحدث على صعوبته كما مكن القدم الذي هو أصعب للقبول.
<66> قال الخزري، وهل في البرهان ترجيح.
<67> قال الحبر، ومن لنا في المسألة بالبرهان أعوذ بالله ان يأتي الشرع بما يدفع عيانا أو برهانا، ولكن يأتي بمعجزات وخرق عادات باختراع أعيان أو قلب عين إلى عين أخرى ليدل على مخترع العالم، وقدرته على فعل ما شاء متى شاء، ومسألة القدم والحدث غامضة ودلائل الحجتين متكافئة، ثم يرجح الحدث النقل عن آدم ونوح وموسى ע"ה بالنبوة التي هي أصدق من القياس، وبعد ان يلجأ المتشرع إلى التسليم والاقرار بهيولي قديمة، وعوالم كثيرة قبل هذا العالم، ليس في ذلك مطعن في اعتقاده ان هذا العالم حادث منذ مدة محصلة وأول ناسه آدم وחוה.
<68> قال الخزري، تكفيني هذه الحجج المقنعة في الباب. وان طالت صحبتي لك سأكلفك ان تعرض على الحجج القاطعة، لكن عد إلى إدراج حديثك، وكيف تمكن في نفوسكم هذا الأمر العظيم ان يخول خالق الأجسام والأرواح والنفوس والعقول والملائكة الذي ترفع وتقدس وتنزه عن ان تدركه العقول فضلا عن الحواس، له اتصال بهذا الخلق الحقير الذميم في مادته، وان كان في صورته عجيبا، اذ في أقل حشرة من عجائب الحكمة ما يحار فيه الذهن.
<69> قال الحبر، قد كفيتني بقولك هذا كثيرا من جوابك، اتنسب هذه الحكمة الموجودة في خلق النملة مثلا إلى فلك أو إلى كوكب أو إلى غير ذلك، حاشا البارئ القادر المقدر الذي يعطي كل شيء حقه دون زيادة ولا نقصان.
<70> قال الخزري، وهذا هو المنسوب إلى فعل الطبيعة.
<71> قال الحبر، ما الطبيعة.
<72> قال الخزري، هي قوة من القوى على ما سمعنا في العلوم ولا ندري ما هي، ولكن العلماء قد عرفوها لا محالة.
अज्ञात पृष्ठ