<101> قال الحبر، لم يدع موسى إلى شريعته غير قومه وأهل لسانه، ووعدهم الله تأكيد شرعه مع الأيام بأنبياء، ففعل طول زمان الرضا وحلول السكينة.
<102> قال الخزري، وهلا كانت الهداية للكل وذلك في الحكمة لائق.
<103> قال الحبر، أوليس الأولى ان يكون الحيوان كله ناطقا، إذا قد نسيت ما تقدم في نسق نسل آدم وإطراد حلول الأمر الإلهي النبوي في شخص لباب الأخوة وصفوة الأب قابل لذلك النور، وغيره كالقشور لا يقبله، حتى جاء بنو يعقوب صفوة ولبابا يفارقون بني آدم بخصوصية الهية تجعلهم كأنهم نوع آخر وجوهر آخر ملائكي يطلب كلهم درجة النبوة فيظفر الكثير منهم بها، ومن لم يظفر منهم بها قاربها بالأعمال المرضية والتقديس والتطهير ولقاء الأنبياء. وأعلم ان من يلقي نبيا فإنه حين لقاءه له وسمعه كلماته الإلهية تحدث له روحانية، ويفارق جنسه بصفاء النفس وتشوقها إلى تلك الدرجات، والتزام الخشوع والطهارة، وهذه كانت عندهم الدلالة الظاهرة والآية الباهرة القاهرة في ثواب الآخرة، إذ المطلوب منها انما هو ان تصير نفس الانسان الهية، تفارق حواسه وتشاهد العالم الأعلى، وتلتذ برؤية النور الملكوتي، وسمع النطق الإلهي، فإن تلك النفس تأمن من الموت إذا فنيت آلاتها الجسدية، فإذا وجدت شريعة يوصل بعلومها وعملها إلى هذه الدرجة في الموضع الذي حدت، ومع القرائين التي أمرت، فهي لا محالة الشريعة الموثوقة بإبقاء النفوس بعد فناء الأجساد.
<104> قال الخزري، إن مواعد غيركم أمتن وأسمن من مواعدكم.
<105> قال الحبر، لكنها كلها بعد الموت، وليس في الحياة منها شيء، ولا شيء يدل عليها.
<106> قال الخزري، نعم ولا رأيت أحدا من المعتقدين لتلك المواعد يحب استعجالها، بل لو أمكنه مطلها وتأخيرها ألف أعوام، ويبقى في قيد الحياة لهذه الشقوة والإنكاد الدنياوية لإكثارها.
<107> قال الحبر، فما ظنك بمن يشاهد المشاهد العظيمة الملكوتية.
<108> قال الخزري، إنه لا شك يتمنى أن تتمادي نفسه على مفارقة حواسه وتبقى ملذته بذلك النور، وذاك هو الذي يتمنى الموت.
<109> قال الحبر، لكن مواعدنا اتصالنا بالأمر الإلهي بالنبوة وما يقربها، واتصال الأمر الإلهي بنا بالعنايات والكرامات والمعجزات، فلذلك لا يتكرر في التوراة أنكم ان عملتم هذه الشريعة أعيدكم بعد الموت إلى جنات ولذات، لكنه يقول إنكم تكونون لي خاصة وأكون لكم إلها مدبرا لكم، فيكون منكم من يدخل حضرتي ويصعد إلى السماء كالذين كانوا بأنفسهم يتصرفون بين الملائكة، ويكون أيضا ملائكتي يتصرفون فيما بينهم في الأرض، وترونهم أفرادا وأجنادا يحرسونكم ويحاربون دونكم، ويدوم بقاؤكم في الأرض التي تعين على هذه الدرجة، وهي الأرض المقدسة، ويتعلق خصبها وجدبها وخيرها وشرها بالأمر الإلهي بحسب أعمالكم، فيكون العالم يجري أمره مجرى طبيعيا حاشاكم، بأنكم ستشاهدون مع حلول السكينة بينكم من خصب بلادكم وانتظام أمطاركم لا تتعدي أوقاتها المحتاج إليها، وظفركم بعدوكم دون اعتداد، ما تدرون به أن أمركم ليس يجري على قانون طبيعي، لكم أرادي، كما سترون إن خالفتم من الجدب والقحط والموتان والحيوان المهلك، والدنيا كلها في دعة، فتعلمون ايصقا أن أمركم يدبره أمر أرفع من الأمر الطبيعي، وكان ذلك كله، فهذه شريعة مضمونة المواعد، لا يخاف خلافها. مواعد تلك الشرائع كلها ليست مضمونة إذ هي بعد الموت، ومواعدنا كلها يعمها أصل واحد وهو رجاء القرب من الرب وملائكته، فلا يخاف من وصل تلك الرتبة تلافا. فهذه الشريعة قد عرضت علينا عيانا، ومثلنا مثل أصحاب مترافقين متلازمين في مفازة من الأرض، سافر واحد منهم إلى الهند، ووافق من ملك الهند تكريما وتعظيما لما عرف عنه من أولئك الأصحاب، وكان يعرف آباءهم قديما وكانوا أولياؤه، فأعطاه ذخائر حملها لأصحابه. وكساه حللا، وأرسل معه من حاشيته قوما لم يكن في الظن أنهم سيخرجون من حضرة الملك ولا أن ينزلوا إلى تلك البادية، وأمره بأوامر وعهود من قبول طاعته. فجاء على أصحابه مع أولئك الرسل الهنديين، فرحب بهم هؤلاء الأصحاب، وجدوا في خدمتهم وكرامتهم، وبنوا لهم قصرا سكنوهم فيه، وصاروا هؤلاء الأصحاب يتوسلون للوصول إلى الهند وإلى رؤية الملك بأدون سعي بعناية هؤلاء الرسل الذين كانوا يهدونهم إلى الطريق الأقصر والأرشد، وعرف جميعهم أن من شاء الوصول إلى الهند فإن ذلك سهل عليه إذا التزم طاعة الملك وكرامة رسله الموصلين له إليه، فلم يحتاجوا أن يسألوا لماذا نتكلف هذه الطاعة، إذ العلة ظاهرة عيانا ليتصل بالملك. والاتصال به هي السعادة.
فالأصحاب هم بنو إسرائيل. والمسافر الأول هو موسى. والمسافرون الآخر سائر الأنبياء، والرسل الهنديون السكينة والملائكة، والحلل النور المعقول الذي حل نفسه بالنبوة، والنور المحسوس الذي حل وجهه، والذخائر المرسولة اللوحان بالعشر كلمات.
अज्ञात पृष्ठ