إما بالاستناد إلى قاعدة مشهورة في العربية، أو بالتماس علّة خفية بعيدة الإدراك يحاول اقتناصها، أو توليدها أو بالاعتماد على القياس وحشد النظائر ومقارنة المثيل بالمثيل وهو مما برع فيه أبو علي. وكان يسوق لكل أسلوب من أساليب احتجاجه الآيات القرآنية والشعر الصالح للاحتجاج والحديث النبوي والأمثال العربية، ولغات العرب ولهجاتها وأقوال أئمة العربية وعلى رأسهم سيبويه الذي انتثرت عبارات كتابه في حجته «١».
وطريقته في ذلك طريقة المتن «٢» والشرح فهو يعرض أولا نص ابن مجاهد في عرضه لاختلاف القرّاء في كل حرف من الحروف، مصرّحا باسمه أو مغفلا له مكتفيا بقوله: اختلفوا ... ثم يعقبه بقول شيخه ابن السراج وذلك في القسم الذي شرع في تفسيره من الفاتحة وسورة البقرة. أو بكلامه هو بقوله: قال أبو علي.
ولعلّ أبرز ما يتميز به أسلوب أبي علي هو ظاهرة الاستطراد والانطلاق بعيدا عن أصل الموضوع المطروق حتى يكاد ينسي آخره أوله، فهو ينتقل بالقارئ من الكلام على الحرف والخلاف فيه والاحتجاج له إلى تفسير الآية، فيغوص في الأعماق فيستخرج من كنوز المعاني ودرر الحقائق ما ينتزع إعجابنا بسعة عقله ونفاذ فكره، أو يتناول الكلمة وما يتفرع عنها من معان وما تدلّ عليه من دلالات فيتناولها معنى معنى مبيّنا له مع شواهده، ثم يتجاوزه إلى الحديث عن الوجوه الإعرابية أو العلل الصرفية، ويناقش جميع ذلك ويحشد له الشواهد والأدلة، فيشبعه ولا يترك بعده زيادة لمستزيد، وهو أشبه
_________
(١) لأستاذنا سعيد الأفغاني رأي سديد في موضوع الاحتجاج للقراءات أورده في مقدمته لكتاب حجة القراءات لابن زنجلة ص ١٨ بعد أن قدم عرضا تاريخيا موجزا للقراءات والمقرئين فقال: قدّمت كل هذا من تاريخ القراءة والمقرئين لأؤيّد ما كنت ذهبت إليه منذ أكثر من عشرين سنة من أن تأليف المؤلفين القدامى يحتجّون للقراءات المتواترة بالنحو وشواهده عكس للوضع الصحيح، وأن السلامة في المنهج، والسداد في المنطق العلمي التاريخي يقضيان بأن يحتجّ للنحو ومذاهبه وقواعده وشواهده بهذه القراءات المتواترة، لما توافر لها من الضبط والوثوق والدقة والتحرّي ... شيء لم يتوافر لأوثق شواهد النحو ... وأي كان فهذا ما وقع.
(٢) وقد ميّزنا المتن الذي هو نص ابن مجاهد بالحرف الأسود تسهيلا لفصله عن الشرح.
المقدمة / 15