ثم إنا قائلون في الأخبار، ومخبرون عن الآثار، ومفرقون بين أسباب الشبهة، وأسباب الحجة، ثم مفرقون بين الحجة التي تلزم الخاصة دون العامة، ومخبرون عن الضرب الذي يكون الخاصة فيه حجة على العامة، وعن الموضع الذي يكون القليل فيه أحق بالحجة من الكثير، ولم شاع الخبر وأصله ضعيف؟ ولم خفي وأصله قوي؟ وما الذي يؤمن من فساده وتبديله مع تقادم عصره، وكثرة الطاعنين فيه، وعن الحاجة إلى رواية الآثار، وإلى سماع الأخبار، وعن أخلاق الناس وآبائهم، ومذاهب أسلافهم، وعن سير الملوك قبلهم، وما صنعت الأيام بهم، وعن شرائع أنبيائهم، وأعلام رسلهم، وعن أدب حكمائهم، وأقاويل أئمتهم وفقهائهم، وعن حالات من غاب عن أبصارهم في دهرهم، ولم كان الإخبار على الناس أخف من الكتمان؟ ولم كان الصمت أثقل عليهم من الكلام؟ وما الضرب الذي يقدرون على كتمانه وطيه، والضرب الذي لا يقدرون إلا على إذاعته ونشره؟ ولم اجتمعت الأمم على الصدق في أمور، واختلفت في غيرها؟ ولم حفظت أمورا ونسيت سواها؟ ولم كان الصدق أكثر من الكذب؟ ولم كان الصمت أثقل والقول أفضل؟
والعجب من ترك الفقهاء تمييز الآثار، وترك المتكلمين القول في تصحيح الأخبار، وبالأخبار يعرف الناس النبي من المتنبي، والصادق من الكاذب، وبها يعرفون الشريعة من السنة، والفريضة من النافلة، والحظر من الإباحة، والاجتماع من الفرقة، والشذوذ من الاستفاضة، والرد من المعارضة، والنار من الجنة، وعامة المفسدة من المصلحة.
فإذا نزلت الأخبار منازلها وقسمتها، ذكرت حجج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلائله وشرائعه وسننه، ثم جنست الآثار على أقدارها، ورتبتها في مراتبها، وقربت ذلك واختصرته، وأوضحت عنه وبينته، حتى يستوي في معرفتها من قل سماعه وساء حفظه ، ومن كثر سماعه وجاد حفظه، بالوجوه الجليلة، والأدلة الاضطرارية.
पृष्ठ 224