هو الاسمُ المنصوب١ المفسّرُ لِمَا آنبهمَ٢ من الذوات٣.
أعرف المعارفِ المضمراتُ، ثم الأعلامُ، ثم أسماءُ الإشارة، ثم الموصولات، ثم المحلى بالألف واللام٤.
_________
١ وإنما نُصب التمييزُ، لأنه جاءَ بعدَ تمامِ الكلامِ فأشبهَ المفعولَ كما أشبهته الحال، فنُصب كما نُصب المفعولُ والحالُ، وكلُّ ما جاءَ بعدَ تمامِ الكلامِ أو بعدَ تمامِ الاسمِ فهو منصوبٌ. لأنه مفعولٌ أو مشبهٌ به. فممّا جاءَ بعدَ تمامِ الكلامِ: الحالُ والتمييزُ المنقولُ. وما جاء بعدَ تمامِ الاسمِ: التمييزُ الواقعُ بعدَ المقاديرِ. انظر: (شرح عيون الإعراب ص ١٦٠، ١٦١) .
٢ هذا لا يتمُّ إلا على مذهبِ مَنْ أوجبَ تنكيرَ التمييزِ، وقد ذهبَ الكوفيّون إلى جوازِ تعريفِه مطلقًا، وبعضُ البصريين إلى جوازِ تعريفِه في بعضِ الصورِ. انظر: (النكت ص ٩٩، والهمع ١: ٢٥٠) .
٣ انظر: (اللمع ص ١٤٧، وشرح اللمحة البدرية ٢: ١٨٤) .
٤ مذهبُ أئمةِ النحوِ المتقدمين والمتأخرين أنَّ المعارفَ متفاوتةٌ.
وذهبَ ابنُ حزمٍ إلى أنَّها كلّها متساوية، لأن المعرفةَ لا تتفاضلُ، إذْ لا يصحُّ أنْ يُقالَ: عَرَفْتُ هذا أكثرَ من هذا، وأُجيب بأنَّ مرادَهم بأن هذا أعرفُ من هذا، إنَّ تطرّقَ الاحتمالِ إليه أقلُّ مِنْ تطرّقِه إلى الآخرِ.
وعلى التفاوتِ اختلفَ في أعرفِ المعارفِ:
- فذهبَ سيبويه والجمهورُ إلى أنَّ المضمرَ أعرفُها، لأنَّه لا يُضمرُ إلا وقد عُرف، ولهذا لا يفتقرُ إلى الوصفِ كغيرهِ من المعارِف، لأنَّ معظمَ فائدةِ الوصفيّة إزالةُ الاشتراكِ، ولا يُضافُ ولا يُبدلُ من مضمري المتكلّمِ والمخاطبِ بدل كلّ لتناهيِهما في الإيضاح، ولأنَّه إنَّما جيءَ بهِ للإيجازِ وازالةِ اللَّبْسِ ولا يُزالُ اللَّبْسُ إلا بما لا لبسَ فيه. ثم الاسمُ العَلَمُ، لأنَّ الأصلَ فيه أن يُوضعَ على شيىءٍ لا يقعُ على غيرهِ من أمّتهِ. ثم الاسمُ المبهمُ، لأنه يُعرفُ بالعينِ والقلبِ. ثم ما عُرِّفَ بالألفِ واللامِ، لأنه يعرفُ بالقلبِ فقط، وجعلَ ابن هشامٍ منه المنادى حيث قال: "ثم ذو الأداة ومنه "يا رجل" ثم ما أُضيفَ إلى أحدِ هذه المعارفِ، لأنَّ تعريفَه من غيرِه وتعريفه على قدرِ ما يضافُ إليه.
- وقيل: العَلَمُ أعرفُها، وهو مذهُب أبي سعيد السيرافي، وعُزِي للكوفيين، ونُسِب لسيبويه، وعليه ابن معطٍ، واختاره أبو حيّان. قال: "لأنه جزئي وضعًا واستعمالًا، وباقي المعارفِ كلّياتٌ وضعًا، جزئيّات استعمالًا، ثم المضمر، ثم المبهم، ثم المعرّف بالألفِ واللامِ. ثم ما أضيف إلى أحدِ هذه المعارفِ، لأنَّ العَلَمَ لا يقعُ فيه شركة إلا بالعرضِ لا بالوضعِ. فهو بالوضعِ يتناولُ واحدًا بعينهِ، وأما المضمرُ فإنَّه مع تناولِه لواحدٍ بعينِه لا يمنعُ أن يتناولَ ما أشبهه. لأنَّ قولّك "أنا" يطلقُ على كلِّ واحدٍ من المتكلّمين، وليسَ موضوعًا لمتكلِّمٍ دونَ غيرهِ، ولأنَّ العَلَم لازمٌ لمسمَّاه، والمضمرُ لا يلزمُ مسمّاهُ بل ينتقلُ، فيكونُ المتكلّمُ مخاطبًا وغائبًا وبالعكس، ولا يخفى أنَّ اللازمَ أقوى، ولأنَّ المضمرَ يعودُ على نكرةٍ، ومفتقرٌ إلى ما يوضحُه. وقد نُسبَ هذا الرأيُ للصيمريّ، ولكن رُدّ عنه لأنه يرى أنَّ المضمرَ أخصُّ الأسماءِ وأعرفها.
- وذهبَ أبو بكر بن السرّاج والفرّاءُ والكوفيّون إلى أنَّ أعرفَ المعارفِ الاسمُ المبهمُ، وهو اسمُ الإشارة، نحو: "هذا وذاك". ثم المضمر، ثم العَلَم، ثم ما فيه الألف واللام. ثم ما أضيفَ إلى أحدِ هذه المعارفِ، لأن تعريفَه بالعينِ والقلبِ، فهو بشيئين، وغيره لا يتعرّفُ إلا بشيىءٍ واحدٍ، ولأنه لا يقبلُ التنكيرَ مطلقًا، بخلافِ المضمرِ والعَلَمِ، نحو: "رُبَّهُ رجلًا"، "ومررتُ بزيدٍ وزيد آخر" ولأنه يقّدم على العَلَمِ نحو: "هذا زيدٌ". وما ذاك إلا لقوةِ تعريفِه. وكذلك إذا ثنَّيتَ الاسمَ العَلَمَ أو جمعتَه نكّرته نحو: زيدان. والزيدان، وزيدون، والزيدون، فتدخلُ عليه الألفُ واللامُ في التثنيةِ والجمعِ، ولا تدخلان إلا على النكرةِ. فدلَّ على أنه يقبلُ التنكيرَ بخلافِ الاسم المبهمِ فإنَّه لا يقبلُ التنكيرَ، لأنك لا تصفه بنكرةٍ في حالٍ من الأحوال ولا تنكره في التثنيةِ والجمعِ. فتدخل عليه الألفَ واللامَ. فتقول: الهاذان. فدلَّ على أنه لا يقبلُ التنكيرَ. وما لا يقبلُ التنكيرَ أعرفُ ممّا يقبلُ التنكيرَ، فتنزَّل منزلةَ المضمرِ. وكما أنَّ المضمرَ أعرفُ من الاسمِ العلمِ فكذلك المبهم.
- واحتجَّ البصريون بأنَّ الأصلَ في الاسمِ العَلَمِ أن يوضعَ لشيىءٍ بعينهِ لا يقعُ على غيرهِ من أمته، وإذا كانَ الأصلُ فيه أن لا يكون له مشاركٌ أشبهَ ضميرَ المتكلمِ، وكما أنَّ ضميرَ المتكلمِ أعرفُ من المبهم فكذلك ما أشبهه، لذلك كان الاسمُ العلمُ أعرفَ من المبهمِ.
واختار ابنُ الأنباريِ رأيِ الكوفيين.
وأجاب عن رأي البصريين بأن قولَهم إنَّ الأصلَ في الاسمِ العَلَمِ أن يوضعَ لشييءٍ بعينِه لا يقعُ على غيرهِ. أن ذلك هو الأصل في جميع المعارفِ ولهذا يُقالُ حَدُّ المعرفةِ خصَّ الواحد من الجنس وهذا يشتملُ على جميعِ المعارف لا على الاسمِ العَلَمِ دونَ غيرهِ، على أنَّا نُسَلمُ أنَّ الأصلَ في الاسمِ العلمِ ما ذكرتموه، إلا أنه قد حصلَ فيه الاشتراكُ، وزالَ عن أصلِ وضعِه.
ولهذا افتقرَ إلى الوصفِ، ولو كان باقيًا على الأصلِ لما افتقر إلى الوصفِ، لأن الأصلَ في المعارفِ أن لا توصف لأنَّ الأصلَ فيها أن تقعَ لشييءٍ بعينِه. فلمَّا جازَ الوصفُ دلَّ على زوالِ الأصلِ. فلا يجوزُ أن يحملَ على المضمرِ الذي لا يزولُ عن الأصلِ ولا يفتقرُ إلى الوصفِ في أنه أعرفُ من المبهم.
- وقيلَ: أعرفُها ذو أل، لأنه وضعَ لتعريِفه أداةٌ، وغيرُه لم توضعْ له أداةٌ.
- ولم يذهبْ أحدٌ إلى أنَّ المضافَ أعرفُها، إذ لا يمكنُ أنْ يكونَ أعرفَ من المضافِ إليه وبه تعرَّفَ. ومحلُّ الخلافِ في غير اسمِ اللهِ تعالى. فإنه أعرفُ المعارفِ بالإجماعِ.
- وقالَ ابنُ مالكٍ: "أعرفُ المعارفِ ضميرُ المتكلّمِ. لأنه يدلُ على المرادِ بنفسِه ومشاهدةِ مدلولهِ، وبعدمِ صلاحيتِه لغيرِه، وبتميّزِ صورتِه، ثم ضميُرِ المخاطبِ، لأنه يدلُّ على المرادِ بنفسِه وبمواجهةِ مدلولِه، ثم العَلَمُ، لأنه يدلُّ على المرادِ حاضرًا وغائبًا على سبيلِ الاختصاصِ".
وقال أبو حيّانَ: "لا أعلمُ أحدًا ذهبَ إلى التفصيلِ في المضمرِ، فجعلَ العَلَمَ أعرفَ من ضميرِ الغائبِ إلا ابن مالك. والذين ذكروا أنَّ أعرفَ المعارفِ المضمرُ قالوه على الإطلاقِ ثم يليه العَلَمُ".
وقال أبو حيان: "قال أصحابُنا: أعرفُ الأعلامِ أسماءُ الأماكنِ، ثم أسماءُ الأناسي، ثم أسماءُ الأجناسِ. وأعرفُ الإشارةِ ما كانَ لقريبٍ، ثم للوسطِ، ثم للبعيد".
انظر: (المقتضب: للمبرد ٤: ٢٨٤، والإشارة: للمجاشعيّ ص ٨٦٠، والإنصاف: لابن الأنباري المسألة الحادية بعد المائة ٢: ٧٠٧ - ٧٠٩، والغرة المخفية ص ٣٠٩، وشرح المفصل: لابن يعيش ٣: ٨٤، وشرح ألفية ابن معطٍ ١: ٦٣٢ - ٦٣٣، والتبصرة والتذكرة: للصيمري ١: ٩٥، ١٧٢، والجامع الصغير ص ١٨، وتسهيل الفوائد: لابن مالك ص ٢١، والهمع ١: ٥٥ - ٥٦، وشرح التصريح على التوضيح: للأزهري ١: ٩٥.
1 / 476