كان حسني حجازي يعاني قلقا في باطنه، بخلاف عادته في مجلس الليل الهادئ بالانشراح. أطلق كامن قلقه في النارجيلة، فمضى يأخذ أنفاسا متتابعة، حتى اشتعلت الجمرات، واحترق التبغ نافثا رائحة فظة. وتوقع طيلة الوقت أن يروح عم عبده بدران عن حزنه، فيعلنه بفسخ خطوبة عليات. وها هو يقف مستندا إلى غطاء الجدار الخشبي، يدخن سيجارة، ونظرته الثقيلة المعتمة ثابتة، كأنه موشك على النعاس. لعله يتحين الفرصة ليبوح بهمه، وعند ذاك سيجد هو نفسه في صميم مأساة لأول مرة. وكان عشماوي مقرفصا قرب النصبة. لا يثرثر كعادته، لوعكة برد ألمت به، فبدا كعجوز يحتضر. وتجنب النظر ناحية عم عبده. وشم الرجل رائحة التبغ المحترق، فاقترب قائلا: هل أبلل لك التبغ؟
فانتبه حسني لمعاملته العصبية للنارجيلة، وقال له: غيره!
ومضى الرجل بالنارجيلة، فجدد التبغ، ثم رجع بها بتبغ جديد كسبيكة ذهبية. وقال: زارنا مرزوق أنور مع سنية وإبراهيم!
فأنس حسني خيرا، وقال بحماس مفاجئ: يا له من جريء! - واعتذر، وهنأني على خطوبة عليات الجديدة. - المسامح كريم. - وجد وظيفة في مؤسسة النقل، وسيكمل تعليمه للحصول على شهادة بعد الليسانس.
فقال حسني وهو يوغل في الارتياح: جميل أن يجدد الإنسان حياته. - وأصبح أمله الأول والأخير أن تتاح له الهجرة يوما ما. - الهجرة موضة هذه الأيام الغريبة.
وقال لنفسه إن عليات بخير. وإن سهم سمراء قد طاش. وشعر بامتنان نحو العقليات التي تتجدد وتتجاوز الزمن. وتشجع فسأله: وما أخبار عروستنا؟
فقال عم عبده: الخطيب يرغب في الزواج في أقرب فرصة. - على خيرة الله!
فقال الرجل بأسف: لا أستطيع أن أقدم لها شيئا ذا بال. - لا أهمية لذلك.
وترامت إليه حركة عند الباب. التفت فرأى سمراء وجدي واقفة كتمثال. نظر إليها عم عبده أيضا بدهشة. ورفع عشماوي رأسه، وضيق عينيه، ثم فغر فاه. ارتج قلب حسني ووقف شعره. وتمتم وهو لا يدري: غير معقول!
ألقت عليه نظرة باردة مهددة، ثم حولت عنه رأسها بتحد. نظرت إلى عم عبده بدران، وتساءلت: عم عبده بدران؟
अज्ञात पृष्ठ