نهضت من مكانها بصعوبة، وفتحت الباب، وجلست في الشرفة الأمامية مع بزوغ أول ضوء للشمس. حتى هذه الحركة البسيطة تسببت في تشويش أفكارها، ولزم عليها فرزها مجددا وتصنيفها إلى قسمين؛ القسم الأول يتمثل فيما حدث - أو بالأحرى ما قيل لها إنه حدث - والقسم الثاني يتمثل في التصرف حيال هذا الأمر، وهذا ما لم تتوصل إلى قرار بشأنه بعد.
كانت الأبقار قد نقلت من المرج الصغير الممتد بين المنزل وضفة النهر؛ ومن ثم، كان بإمكان إنيد فتح البوابة إن أرادت والسير في هذا الاتجاه. كانت تعرف أنه ينبغي لها العودة، بدلا من فعل ذلك، وتفقد أحوال السيدة كوين، لكنها وجدت نفسها تفتح مزلاج البوابة.
لم تلتهم الأبقار كل الأعشاب التي كانت مبللة، والتي أخذت تحتك بجوارب إنيد. كان الطريق خاليا في ظل الأشجار المصطفة على ضفة النهر - أشجار الصفصاف الكبيرة - التي تعلقت بها ثمار العنب البري كأذرع قردة كثيفة الشعر. أخذت الشبورة تتصاعد حتى صار من الصعب رؤية النهر؛ وكان ينبغي - لرؤيته - تثبيت العينين نحوه والتركيز لتظهر مساحة من الماء، وكأنها قدر من الماء في إناء. لا ريب أنه كان هناك تيار متحرك، لكنها لم تستطع العثور عليه.
رأت إنيد بعد ذلك حركة، لم تكن في الماء، وإنما كانت صادرة عن زورق مربوط في أحد الأغصان؛ كان زورق تجديف قديما وبسيطا تم رفعه قليلا ثم تركه يسقط متدليا نحو الماء. وعندما عثرت عليه إنيد، ظلت تشاهده كما لو كان يخبرها بشيء ما. وكان هذا ما يحدث بالفعل؛ فقد قال لها شيئا حاسما برفق: «أنت تعلمين. أنت تعلمين.» •••
عندما استيقظت الطفلتان، وجدتا إنيد في حالة معنوية مرتفعة، وقد اغتسلت لتوها وارتدت ملابسها وتركت شعرها منسدلا. كانت قد أعدت الجيلي الممتلئ بالفواكه الذي سيكون جاهزا لتتناوله الطفلتان في الظهيرة، وأخذت تمزج مخيض اللبن لإعداد الكعك المحلى الذي يمكن خبزه قبل أن تشتد حرارة الجو على نحو يصبح معه استخدام الفرن صعبا.
سألت إنيد الطفلتين: «هل ذلك الزورق يخص والدكما؟ الزورق الموجود عند النهر.»
فأجابت لويس بالإيجاب، ثم قالت: «لكننا ممنوعتان من اللعب فيه. لكنك إذا ذهبت معنا، فسيمكننا فعل ذلك.» أدركت الفتاتان على الفور لمحة من الامتيازات التي ستنالانها ذلك اليوم، واحتمالات الاستمتاع بالإجازة، والمزيج غير المعتاد من التراخي والتحمس الذي اتسم به سلوك إنيد.
قالت إنيد: «سنقرر ذلك لاحقا.» أرادت أن تجعل ذلك اليوم يوما مميزا للطفلتين، بغض النظر عن الحقيقة التي تيقنت منها إلى حد بعيد بالفعل؛ وهي أن هذا اليوم سيكون الأخير في حياة والدتهما. أرادت إنيد أن تخلف ذكرى من شأنها التعويض عما سيحدث في وقت لاحق من ذلك اليوم، وتجعلهما يتذكرانها ويتذكران تأثيرها في حياتهما فيما بعد.
تعسر العثور على نبض السيدة كوين ذلك الصباح، ولم تكن قادرة - فيما بدا - على رفع رأسها أو فتح عينيها. تغيرت حالتها تغيرا هائلا مقارنة بالبارحة، لكن ذلك لم يدهش إنيد؛ فقد كانت تعرف أن هذه الطاقة الهائلة المفاجئة، والاندفاع في الحديث على هذا النحو الفظ، ما هو إلا صحوة الموت. أمسكت بملعقة من الماء ووضعتها على شفتي السيدة كوين، فارتشفت منه القليل، وأصدرت صوتا كالمواء الذي كان بالطبع آخر تعبير لها عن كل شكواها. لم تتصل إنيد بالطبيب؛ لأن موعد زيارته المحدد كان في وقت لاحق من ذلك اليوم، على الأرجح بعد الظهيرة.
رجت إنيد بعضا من رغوات الصابون في برطمان، وثنت قطعة من السلك، ثم قطعة أخرى، لتصنع عصيا لصنع الفقاقيع. علمت الفتاتين كيف تصنعان الفقاقيع، وأخذت تنفخها بثبات وعناية حتى تصل إلى أكبر حجم ممكن، ثم تهزها لتحررها برفق من السلك. أخذت الفتاتان تلاحقان الفقاقيع بأنحاء الفناء، وجعلتاها تطير إلى أن تمسك بها الرياح وتعلقها في الأشجار أو على إفريز الشرفة الأمامية. وبدا أن ما جعلهما على قيد الحياة آنذاك هو صيحات الإعجاب وصرخات الفرحة التي تنبع من داخلهما. لم تضع إنيد قيودا على ما قد يصدر منهما من ضوضاء، وعند نفاد رغوات الصابون، أعدت المزيد.
अज्ञात पृष्ठ