وبدلا من الطريق ذي المنعطف الحاد الذي يمكن الوصول منه إلى المرفأ والميدان، صعدوا ضفة النهر مباشرة متبعين طريقا قريبا من مرائب السكك الحديدية. دقت أجراس الساعة معلنة انقضاء ربع ساعة بعد الساعة الثانية عشرة. •••
كان ذلك موعد عودة الناس إلى منازلهم لتناول وجبة الغداء، ومن كانوا يعملون في المكاتب كانوا يحصلون على إجازة بقية اليوم، أما من يعملون في المتاجر، فكانوا يحصلون على ساعة الراحة الاعتيادية؛ إذ كانت المتاجر تظل مفتوحة حتى الساعة العاشرة أو الحادية عشرة مساء السبت.
كان أغلب الناس في طريقهم إلى منازلهم لتناول وجبة ساخنة مشبعة من شرائح اللحم أو السجق أو اللحم البقري المسلوق أو اللحم المملح، إلى جانب بعض البطاطس بالتأكيد، سواء المهروسة أو المقلية؛ وبعض الخضراوات الجذرية المخزنة من الشتاء أو الملفوف أو البصل بالكريمة (وبعض الزوجات، الأيسر حالا أو الأقل مهارة، كن يفتحن علبة من البازلاء أو الفاصوليا البيضاء)، هذا إلى جانب الخبز وكيك المافن والأطعمة المحفوظة والفطائر. حتى أولئك الذين لا يملكون منزلا في البلدة يرجعون إليه في هذه الساعة، أو من كان لديهم سبب ما يجعلهم لا يرغبون في العودة إليه؛ كانوا يتناولون نفس نوع الطعام تقريبا في مطعم ديوك أوف كمبرلاند أو فندق ميرشانتس هوتيل، أو يحصلون عليه مقابل قدر أقل من المال وهم جالسون خلف النوافذ الضبابية لحانة شيرفيلز ديري بار.
كان أغلب من يسيرون عائدين إلى منازلهم لتناول هذه الوجبة من الرجال، أما السيدات، فكن بالمنزل بالفعل - فقد كن هناك على الدوام - لكن ثمة سيدات، ممن كن في منتصف العمر وعملن أيضا في المتاجر أو المكاتب لسبب ما ليس بأيديهن حيلة بشأنه - كوفاة أزواجهن أو مرضهم أو عدم تزوجهن في الأساس - كن صديقات أمهات هؤلاء الصبية؛ ومن ثم، اعتدن إلقاء التحية عليهم، حتى لو كانوا يسيرون على الجانب الآخر من الطريق على نحو معين يوحي بالمرح والاستمتاع يذكر الصبية بأن هؤلاء السيدات يعلمن كل شيء عن شئون أسرهم أو مرحلة طفولتهم البعيدة (وأكثر من تأثر سلبا بهذا الأمر هو باد سولتر الذي اعتادت هؤلاء السيدات مناداته باسم بادي؛ وتعني «يا رفيق»).
أما الرجال، فلم يتجشموا عناء إلقاء التحية على الصبية بالاسم، حتى وإن كانوا يعرفونهم حق المعرفة؛ فكانوا يطلقون عليهم «الأولاد» أو «الصغار» أو أحيانا «السادة». «صباح الخير يا سادة.» «هل أنتم في طريقكم إلى المنزل الآن يا أولاد؟» «ما المصيبة التي تدبرونها هذا الصباح أيها الصغار؟»
انطوت كل تحية من هذه التحيات على درجة من المزاح، لكن ثمة اختلافات بينها؛ فمن أطلقوا عليهم وصف «الصغار»، كانوا ينعمون بحالة مزاجية أفضل ممن أطلقوا عليهم وصف «الأولاد» - أو رغبوا في أن يبدوا بهذه الحالة؛ فتعبير «الأولاد» يدل على أن الصبية سيتعرضون بعد قوله إلى تأنيب وتوبيخ بسبب أي إساءة اقترفوها، سواء أكانت مبهمة أم محددة، وتعبير «الصغار» يوحي بأن المتحدث مر من قبل بهذه المرحلة من صغر السن، أما «السادة»، فقد كانت استخفافا وسخرية صريحة منهم، لكنها لا تفتح المجال أمام أي توبيخ؛ لأن من قال هذا الوصف شخص لا يمكن إزعاجه.
وعند الرد على هذه التحيات، كان الصبية بالكاد يرفعون أعينهم للنظر إلى حقيبة يد السيدة أو إلى عنق الرجل، ويقولون بوضوح: «مرحبا»؛ لأنهم قد يجلبون على أنفسهم المتاعب إذا لم يردوا. وتمثلت إجاباتهم عن الأسئلة السابقة في «نعم يا سيدي»، و«كلا يا سيدي»، و«لا شيء»، ولم يختلف هذا الحال في ذلك اليوم، فتسببت الأصوات المتحدثة إليهم في بعض الانتباه والارتباك من جانبهم، وأجابوا أصحابها بتحفظهم المعتاد.
كان عليهم الانفصال عند وصولهم إلى ناصية معينة، وكان سيسي فيرنس الأكثر قلقا دوما بشأن الرجوع إلى المنزل؛ فسبقهم وهو يودعهم قائلا: «أراكم بعد الغداء.»
ورد عليه باد سولتر: «نعم، وسنذهب إلى وسط المدينة حينئذ.»
عنى ذلك، كما فهموا جميعا: «قسم البوليس بوسط المدينة»؛ فبدون استشارة بعضهم بعضا، بدا الأمر وكأنهم قد وضعوا خطة جديدة للإبلاغ عما رأوه بأسلوب أكثر وعيا، لكنهم لم يصرحوا بوضوح عن عدم الإفصاح عن أي شيء في المنزل، فما كان من سبب مقنع يحول دون إفصاح باد سولتر أو جيمي بوكس عما شاهداه في المنزل.
अज्ञात पृष्ठ