وكان هذا الصوت ماري فالفسكا. وما هو أن شقت طريقها إليه، وصارت أمام العربة حتى قالت: أرحب بك ثلاثا يا مولاي، إننا مهما قلنا أو فعلنا، فلسنا نقدر على أن نترجم عن شعورنا بالفرح لمقدمك، وعن رجائنا بأن تخلص بلادنا من الظلمة.
فتأثر الإمبراطور من جمالها، وانحنى أمامها، وأخذ طاقة من الورد وقدمها إليها قائلا: خذي هذه برهانا على إعجابي. وإني أرجو أن ألتقي بك في فارسوفيا لكي أسمع من هاتين الشفتين كلمات الشكر.
ولم يكن نابليون ممن ينسون شيئا يسر أو يضر، فما هو أن وافى فارسوفيا حتى سأل عن الفتاة، وطلب قدومها إليه.
ولم تمض ساعات حتى كان الأمير بونياتفسكي، يرافقه آخرون من نبلاء بولندا، قد وصل إلى منزل الفتاة، يسألها التوجه إلى الإمبراطور. وتعجبت الفتاة من هذه الدعوة، وحرص نابليون على معرفة منزلها، واحتفاله بها حتى يرسل إليها بضعة من أشراف قومها، لكي تحضر معهم إليه، فغمرها الحياء حتى صبغ وجنتيها، ثم قال الأمير: «هذا يا سيدتي هو ما أمرني به جلالته؛ طلب إلي أن أدعوك إلى الحضور إلى الاحتفال الذي سيعقد للرقص هذه الليلة، ولعل الله قد قدر أن تكون نجاة بلادنا على يديك.»
وكانت ماري تغالي في وطنيتها، وتتوق إلى استقلال وطنها، فكانت هذه الوطنية تغريها بالذهاب إلى نابليون، ولكن شيئا وسوس في صدرها بأن نابليون لا يبغي خيرها من هذه الزيارة، فترددت ثم أحجمت.
وما كاد هؤلاء الأشراف يخرجون حتى جاءها فوج آخر من الأهالي الذين عرفوا بخبر هذه الدعوة، وصاروا يلحون عليها في تلبية دعوة الإمبراطور، حتى زوجها نفسه لم يحجم عن التضحية بعرضه الشخصي لأجل منفعة وطنه، فأخذ هو الآخر يلح عليها بالذهاب.
فذهبت تلك الليلة إلى الاحتفال، وقعدت منزوية في إحدى نواحيه؛ لأنها كانت تجهل فن الرقص. وبينما هي تكلم الأمير بونياتفسكي، وإذا بشخص قد وقف إلى جانبها، شعرت هي أنها لا تجسر أن ترفع نظرها في وجهه. وكان هذا الواقف نابليون، الذي فاجأها بقوله: لقد أخطأت في اختيارك هذا اللباس الأبيض؛ لأن الأبيض لا يشاكل الأبيض.
ثم انحنى عليها، وقال وهو يهمس: كنت أنتظر استقبالا آخر.
فلم تقو ماري على التبسم، أو على التطلع إلى وجهه. ثم تركها في مكانها، وسار بعيدا عنها. وانتهت الحفلة، وخرج المدعوون، وذهبت ماري إلى دارها، وقلبها مفعم بالإحساسات المختلفة.
وفي الصباح، وماري تتقلب على فراشها تحاول ترتيب هذه الإحساسات، وإذا بالخادمة تدخل وتناولها مظروفا، فضته وقرأت فيه هذه العبارة الموجزة:
अज्ञात पृष्ठ