الملكة إليصابات
يؤثر عن إليصابات ملكة إنجلترا قولها وهي تصتبي: «أحب إنجلترا أكثر من أي شيء في العالم.»
ولم تكذب في هذا القول؛ فقد كانت تخطط الخطط، وترسم الترسيمات؛ لكي تفوز إنجلترا في معترك السياسة الأوروبية. ومن أجل إنجلترا نزلت إليصابات عن جملة وافرة من حقوقها الملوكية، ونزلت أيضا عن كرامتها، فكانت تكذب، وتخون، وتخنث، من أجل إنجلترا، بل كثيرا ما نافقت في الحب، وتظاهرت به رياء، لكي ترفع من مجد بلادها وعزها.
وقد كانت مع ذلك امرأة تحب الدلال، ركبت نفسها على ما ركبت عليه نفوس سائر النساء من حب التمليق، ورؤية الناس يعجبون بها، ويعترفون بجمالها؛ ولذلك كانت على الدوام محوطة بنخبة شباب البلاد الذين فاقوا أقرانهم في الجمال والفروسية، تقضي وقتها معهم في المداعبة البريئة، التي فيها شيء من أشمام الحب.
ولكن نفسها كانت تظمأ إلى الحب الصحيح في هرج هذه المداعبات؛ ولذلك ما هو أن عرفت وألفت إرل لستر، حتى وجدت فيه ريها وعلقته، وصارت تكتوي بنار حبه.
ارتقت إليصابات عرش إنجلترا وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، وقد وصفها مبعوث ألماني أرسله مولاه لكي يتعرف حال هذه الملكة، فكتب عنها يقول:
إنها تعيش عيشة لا يكاد الإنسان يتصورها، لفرط ما فيها من البذخ وإيلام الولائم. وهي تقضي كثيرا من وقتها في المراقص والولائم والصيد وسائر هذه الملاهي، تفعل هذا كله في مظاهر وزينة، ومع ذلك فهي حريصة على أن تكون محترمة عند الناس أكثر من الملكة ماري. وهي تعقد البرلمان، ولكنها تجعل الأعضاء يفهمون ضرورة إطاعة أوامرها في أية حالة.
وكانت بيضاء، صهباء الشعر ، رشيقة القوام، وكانت لها يدان عجيبتان، لا تزالان موضوع إعجاب من ينظر إلى صورتها. ويكاد يكون تاريخ حياتها معروفا بالتفصيل، لكثرة ما كتب عنها في مدتها، وما نقب عنه المؤرخون بعد ذلك، ويؤخذ من ذلك أنها كانت مزيجا من العمل والهوى، تنتابها نوبات من الجد، تعقبها فترات من المزاح، وكانت إذا مازحت تمادت، حتى يبعث تماديها الشكوك، ومما يؤثر عنها أنها وهي فتاة لم تبلغ السادسة عشرة، اتهمت أو اتهم بالأحرى وصيها لورد سيمور بمداعبتها، وقيل في التحقيق الرسمي الذي عمل بشأن هذه التهمة، أنها كانت تلاعبه وهي في قميص النوم. ولكن تبين في التحقيق أن هذا اللورد لم يحضر قط إلى غرفتها إلا وهو مصحوب بامرأته.
وكان ملك إسبانيا يتعشقها ويراودها على الزواج، حتى تصير إنجلترا إحدى ولايات مملكته العظيمة، فكانت تطاوله وتمطله خدمة لمصالح بلادها. وكانت تطاول أيضا لهذا السبب عينه، جميع من تقدم إليها بطلب يدها من الملوك والأمراء؛ فعلت ذلك بدوق دالنسون شقيق ملك الدانمرك، وأمير أسوج وأرشيدوق النمسا، وغيرهم. واستطاعت بهذا المطل والتسويف، وإيهام المتقدمين إليها بأنها تنوي الزواج بهم، أن توجد الشقاق بين أسوج والدانمرك، وبين فرنسا وإسبانيا. واحتفظت بسلامة إنجلترا حتى أذن الوقت بضرب إسبانيا، فضربتها ضربة لم تبرأ منها للآن.
وقد خطر الزواج على بالها، وكانت تشتهي أن يكون لها عقب، ولكن حرصها على مصالح البلاد جعلها تتردد كثيرا حتى فاتتها الفرصة، وكثيرا ما كانت تذكر الأولاد وهي تتحرق أسى وكمدا؛ فقد أثر عنها أنها عندما ذكرت أمامها ملكة اسكوتلاندا أن قالت: إن لملكة اسكوتلاندا ابنا سريا، أما أنا فأرض قاحلة.
अज्ञात पृष्ठ