أين، أين يمكنك أن تراهم،
حتى تدفئك يد الصديق من جديد،
وتستمع روح إلى ما تقول؟
فهل سيقدر له حقا أن يتدفأ بيد الصديق؟ هل يجد الروح التي تستمع للروح؟
لقد سبقت الإشارة إلى هذه الصداقة التي ألفت بينه وبين صاحبيه «نويفر» و«ماجيناو» أيام (التلمذة) في دير ماولبرون بمدينة توبنجن، ثم لم تلبث أن بهتت ورانت عليها الظلال. ولكن هذه الصداقة بلغت ذروتها في تلك الأيام مع رجلين آخرين ذاع صيتهما بعد ذلك وحفر اسمهما في سجل العبقرية، وهما الفيلسوفان هيجل وشيلنج. ولا بد أن نتكلم عنها الآن قبل أن تبهت هي الأخرى وترين عليها ظلال النسيان ...
بدأت هذه الصداقة الحميمية بين هلدرلين وهيجل وشيلنج في خريف سنة 1790م وانتهت سنة 1793م. صحيح أنها استمرت قائمة بينه وبين هيجل حتى نهاية القرن، ولكنها سرعان ما ذبلت بينه وبين شيلنج وحل محلها شيء أقرب إلى التباعد والتقدير والاحترام ...
والصداقة إحدى معجزات الوجود. قد نشهدها مرة في حياتنا فتهتدي الروح إلى صديق الروح الذي لا يفرقنا عنه إلا الجسد الآخر، وقد تنقضي الحياة فيحرمنا القدر من نعمتها النادرة. وقد شاء القدر أن ينعم الأصدقاء الثلاثة بهذه المعجزة وإن فرق بينهم بعد ذلك فسار كل في طريق؛ هلدرلين على طريق «الروح المزدهر»
21
مهما شابت خصلات الشعر، وهيجل على طريق «الروح المنطلق» الذي تنتهي عنده الأضداد ويتحقق السلام الأخير، وشيلنج على درب الفيلسوف المتصوف الذي يحلم «بكنيسة يوحنا» ...
ولقد كانت الصداقة بين هلدرلين وهيجل أشد عمقا وأطول عمرا من صداقته بشيلنج. ولم يكن السبب في ذلك هو أنهما من سن واحدة فحسب (كان شيلنج يصغرهما بأربع سنوات) بل لعله يرجع إلى اختلاف موهبتهما وطباعهما - والضد يسعى إلى ضده كما يقولون - كما يرجع إلى عاطفة الحب الحنون الجارف الذي يحمله كل منهما لصاحبه.
अज्ञात पृष्ठ