History of Ancient Arabs
تاريخ العرب القديم
प्रकाशक
دار الفكر
संस्करण संख्या
إعادة الطبعة الثانية ١٤٢٢هـ/ ٢٠٠١م
शैलियों
المقدمة
هذه طبعة ثانية، منقحة ومعدلة، من كتابي "تاريخ العرب القديم" وهو مؤلف حرصت جهدي واستطاعتي كي يفي بحاجة المثقفين من أبناء أمتي إلى معرفة تاريخ أمتنا على الوجه اليسير، فتجنبت الإطالة بما يبعث الملل من جهة، وبذلت جهدي في عرض الأحداث بشكلها العلمي الذي يلتزم التدقيق والتمحيص من جهة أخرى، معتمدًا على مصادر علمية جديرة بالثقة يراها القارئ في الحواشي وفي ثبت المصادر، الأمر الذي يعيق إلى حد ما عملية التبسيط التي يتوخاها القراء عادة.
الحق إن التأريخ لشبه جزيرة العرب، وللمدنيات العربية التي تاخمتها في الشمال قبل الإسلام، لهو من الصعوبة بمكان من حيث إمكان تبسيطه؛ لأن البحث العلمي فيه يقتضي عرض وجهات نظر العلماء على مختلف وجوهها. وقد تباينت وجهات نظرهم، في الواقع، تباينًا عظيمًا لقلة ما بين أيديهم من نصوص ومستندات، إن كانت قد حملت بعض التواريخ، فإنها لا تعتمد على تقاويم ثابتة بل متحركة متبدلة حسب تعاقب الأحداث بل الملوك، ولوجود ثغرات كثيرة تتخلل الفترات التي عرف شيء منها في تاريخ هذه المنطقة؛ ولذا غلب التخمين واللجوء إلى الفرضيات على ما قرره العلماء -لا سيما فيما يختص بتواريخ قيام الدول وانقراضها- ولم يكن لنا بد، تجنبا للوقوع في المزالق والانحراف عن نطاق العلمية، من عرض ما لا غنى عن عرضه من شتى وجهات النظر، وإبراز نقاط الاختلاف مهما يكن أمرها، سواء كان لها نصيب من الصحة أو كانت في نطاق الفرضيات، فقد تصبح في المستقبل مسلمات علمية إذا كشفت التنقيبات الأثرية عن نصوص ومستندات يمكن الوثوق بصحتها. عندئذٍ يكون في استطاعة العلماء أن يتبسطوا في كتابة تاريخنا القديم، ويكونوا على ثقة مما يعرضون منه علينا. والواقع أنهم مهتمون بذلك شديد الاهتمام، ولاهتمامهم هذا مبرر ولا شك: فلتاريخ العرب أهمية عظيمة في نظر
1 / 5
الباحثين والمؤرخين على اختلاف جنسياتهم ومواطنهم. ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة أهمها:
أولًا: أن العالم العربي -وأخص بالذكر منه قسمه الآسيوي الذي هو موضوع هذا الكتاب- يحتل موقعا جغرافيا فريدا في ميزاته؛ وذلك بتوسطه قارات ثلاث: آسيا التي يقع في الزاوية الغربية - الجنوبية منها، وإفريقيا التي تحاذيه غربًا، وأوروبا التي تتصل به بواسطة الزاوية الجنوبية الشرقية منها عبر الزاوية الشمالية الشرقية من البحر الأبيض المتوسط. فالعالم العربي الآسيوي من العالم القديم بمثابة القلب النابض، كما هو أشبه بجسر يصل جميع هذه القارات بعضها ببعض. وهو -بوصفه محاطًا ببحار وخلجان من جهاته الثلاث الغربية والجنوبية والشرقية- من أفضل المناطق في العالم للنشاط التجاري بفضل تمتعه بميزات من شأنها أن تيسر المواصلات البرية العالمية ولا سيما البحرية، ذلك أنه لا بد لخطوط الملاحة العالمية أن تخترق البحار التي يطل عليها كمسالك تجارية تسلكها بصورة اضطرارية.
ثانيًا: أن الجزيرة العربية، التي تعتبر المهد الأصلي للشعوب السامية والمصدر الملهم للروح السامية التي انبثقت عنها جميع الأديان السماوية التوحيدية، قد شهدت -منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا قبل الإسلام، ولا سيما في المناطق الجنوبية منها- انبثاق حضارة غنية بتراثها السياسي والحضاري والاجتماعي، الأمر الذي جعلها موضوع فيض من الدراسات قام بها علماء الآثار والتاريخ منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى الآن.
على أن عرب الشمال أيضًا، قبيل الرسالة الإسلامية، قد بلغوا في تطورهم العقلي درجة من التقدم النسبي والاستعداد الفكري كانت كفيلة بجعل الدين الإسلامي -بما جاء به من نظم انقلابية ثورية- ينفذ إلى قلوبهم ويستهوي نفوسهم، كما جعلت قيام نظام اجتماعي يجمع أشتاتهم في دولة واحدة أمرًا محتما.
ثالثًا: أن الأمة العربية التي لم يكن لها من حوافز الوحدة السياسية، قبل الإسلام، ما يؤهلها لأن تشكل دولة منظمة موحدة، تأخذ مكانها بين الدول القوية المجاورة لها، قد ارتفعت بفضل الإسلام، وما جاء به من حوافز فكرية وعقائد دينية واجتماعية، إلى مصاف هذه الدول، بل استطاعت أن تقوض أركان هذه الدول، وتبني
1 / 6
على أنقاضها إمبراطورية عربية إسلامية مترامية الأطراف. فظهور الإسلام وانتشاره في شتى أرجاء العالم المعمور حادث كبير في التاريخ؛ إذ بفضله انتقل العرب من دور البداوة إلى دور الحضارة، واستعادوا ما كان لهم من دور حضاري وثقافي مرموق في الجنوب العربي، بعد أن تباعدت الشقة بينهم وبينه عبر القرون، وبدأ العرب بوجه عام يسهمون إسهامًا عظيمًا في خدمة الثقافة والعمران والتقدم البشري، ولعبوا دورًا مهمًّا في تنمية العلوم الطبيعية والاجتماعية، وكان لهم الفضل الأكبر في قيام النهضة الأوروبية اعتبارًا من القرن الخامس عشر؛ فكانت حضارة العرب بمثابة النسغ الذي استمدت حضارة الغرب الأوروبي منه مقومات كيانها.
رابعًا: والعالم العربي الآسيوي كان ولا يزال -بسبب موقعه الجغرافي وما تتميز به أراضيه من خصب وما تنتج من محاصيل وفيرة - محطَّ أنظار الفاتحين منذ أقدم العصور، وقبلة الطامعين بخيره الجزيل وغناه العظيم. والجزيرة العربية منه بوجه خاص -نظرًا لما تحتل من موقع جغرافي خاص باعتبارها الطريق المؤدي إلى الشرق الأقصى الغني بموارده، وبسبب احتواء طبقاتها الجوفية على بحر من الذهب الأسود تطفو فوقه- قد ازدادت أهميتها في العصر الحديث، لا سيما في نظر الدول الإمبريالية التي دفعها التهافت على اقتناص هذه الثروة الهائلة إلى الاستماتة في سبيل استعمارها، فوقعت أجزاؤها الجنوبية والشرقية لمدة طويلة فريسة للمطامع الاستعمارية الجشعة، ولا تزال مختلف أجزائها تعاني عقابيل السياسة الاستعمارية التي لا تزال تسعى جاهدة إلى إعاقة التطور العربي الصاعد لتبقى فريسة للجهل والتخلف، ولتظل لقمة سائغة في أفواه الطامعين.
1 / 7
الفصل الأول: دراسة المصادر
مفهوم التاريخ:
تغيرت النظرة إلى التاريخ عما كانت عليه قبل هذا القرن، فأصبح علمًا من العلوم الاجتماعية له قواعد خاصة، إذ استبعدت شواهد التاريخ المبنية على مجرد العقيدة والأسطورة، وجعلت الشك أساسا للدراسة وواسطة للمعرفة١. بل وجب على المؤرخ أن يرجع إلى الآثار المادية والأدبية التي تنبئ عن الماضي، فيستخرج نصوصها وأشكالها، ثم يستنطقها ويخضع رواياتها للتدقيق والنقد، فلا يقبل منها إلا ما ثبت صدقه وصحته، حسب قواعد علمية معينة، ثم يعمد إلى ربط الحقائق المفردة بعضها ببعض ليستخرج منها صورة الماضي أقرب ما تكون إلى الواقع٢، ويفسرها تفسيرًا صحيحًا بقدر الإمكان.
ومن البديهي أن الصورة المستخرجة للحقائق التاريخية تبقى خاضعة في المستقبل للتعديل حسبما يظهر من أصول ووثائق جديدة، أو ما يكتشف من حقائق كانت مجهولة سابقا، أو ما يوجب تصحيح بعض ما حصل من أخطاء في التدقيق والاستنتاج. كل ذلك يفرض على المؤرخ أن تكون له صفة العالم المجرد من الغايات، الذي لا يميل مع العاطفة والأهواء، سواء أكانت وطنية أم حزبية أم قومية، بل من واجبه أن يلتزم النزاهة والتجرد التامَّيْنِ.
يقول الباحث إرنست كاسيرر: "المؤرخ الحقيقي يستبعد كل الاختراعات والخيالات من مؤلفاته ويلتزم الحقيقة التزامًا كليًّا"٣. ويعتقد كاسيرر إنه إذا كان
_________
١ جوزيف هورس: قيمة التاريخ "تعريب نسيب الحازن"، ص٤١.
٢ الدكتور قسطنطين زريق: نحن والتاريخ، ص٤٢-٤٣.
٣ إرنست كاسيرر: في المعرفة التاريخية، ص٢٠-٢١-٢٥.
1 / 9
للتاريخ -في جملة ما له من أهداف- أن يقوم بدور توجيهي وتهذيبي فينبغي ألا يكون ذلك بطريقة مباشرة، بل هو يستطيع أن يحقق دوره في هذه الناحية بصورة أفضل كلما قل سعيه المباشر وراء هذه الغايات، أي أنه يقوم بدوره هذا بمجرد عرض الحوادث والوقائع التي تكون بحد ذاتها عبرة للمطالع والدارس.
وفي رأيي، أنه إذا جاز للمؤرخ أن يفسر الحوادث ويعللها، فإنه جائز له أيضًا أن يحاكم أعمال صناع التاريخ، أولئك الرجال من الأمة الذين يسهمون في صنع الأحداث وتوجيهها، وأن ينقد أعمالهم وتصرفاتهم، ويكوِّن الصورة الحقيقية لما قاموا به من منجزات، أو وقعوا فيه من أخطاء، فيعطي العناصر التي تساعد على الحكم لهم أو عليهم. فالمؤرخ يجمع إلى صفة العالم صفة القاضي المحقق الذي يفترض فيه أن يكون حريصًا على النزاهة. فكما يهتم القاضي بالتدقيق في الآثار التي يتركها المتهم، ويجمع الأدلة التي تدينه أو تبرئه، ويتمعن في شهادات الشهود لكي تأتي نتيجة تحقيقاته صحيحة، كذلك يفعل المؤرخ بالنسبة لمادته التاريخية وآثاره. وآثار المؤرخ هي الأوابد والمسكوكات والمنقوشات والمنشآت العمرانية وشتى الوثائق التي تركها أجدادنا القدامى. وشهوده هم الأخباريون والرواة الذين عاصروا الحوادث أو اشتركوا فيها، وربما يكونون قد تركوا مذكرات دونوا فيها هذه الحوادث، أو نقلوا أخبارها عن أقرب الناس إليها، ووصلت إلينا في مصنفات قديمة، فيقع عليه أن يجمع هذه الآثار ويستنطقها، ويسمع لهؤلاء الشهود ويقابل بين أقوالهم، ويمحصها، وأن يتحلى بأتم ما يكون الوعي والحس التاريخي السليم لإدراك الصحيح من المزور من آثاره، والصادق من الكاذب من أقوال شهوده؛ لكي تأتي نتائجه سليمة صحيحة.
مصادر تاريخ العرب القديم: إن دراستنا التاريخية هذه تشمل عصور ما قبل الإسلام. ولا بد لنا قبل أن نبدأ هذه الدراسة من إعطاء لمحة عن الموارد التي يستطيع المؤرخ أن يستقي منها معلوماته التاريخية. ومن المفيد أن نبدأ بتعريف هذه الفترة التي اصطلح العرب المسلمون على تسميتها بـ"العصر الجاهلي":
مصادر تاريخ العرب القديم: إن دراستنا التاريخية هذه تشمل عصور ما قبل الإسلام. ولا بد لنا قبل أن نبدأ هذه الدراسة من إعطاء لمحة عن الموارد التي يستطيع المؤرخ أن يستقي منها معلوماته التاريخية. ومن المفيد أن نبدأ بتعريف هذه الفترة التي اصطلح العرب المسلمون على تسميتها بـ"العصر الجاهلي":
1 / 10
لقد اختلف العلماء في تفسير معنى الجاهلية؛ فالمسلمون الذين درجوا على استهجان ما كان عليه العرب من وثنية قبل الإسلام قد قصدوا من هذه التسمية إلى وصم القوم بجهل الدين الحنيف، كما جاء في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ [الزمر: ٦٤]، و﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: ١٥٤]، بينما قصد بها بعض المستشرقين ونفر من الباحثين العرب المحدثين الجهل الذي يعني تنكب سبيل العلم، بالإضافة إلى الجهل بشريعة الله وبتعاليم الدين وسلوك سبيل التجبر والمفاخرة بالأنساب.
وقد أشار المستشرق المجري "كولدزهير" إلى ذلك بقوله: إنها "السفه الذي هو ضد الحلم"، ونفى الدكتور أحمد أمين "كونها الجهل الذي يعني تنكب طريق العلم، بل كونها التخلق بأخلاق منافية للاتزان وضبط النفس كالخفة والغضب"١. أما الدكتور جواد علي فقد عرفها "بكونها عدم الخضوع لقانون عام سوى تقاليد البادية على ما فيها من الفوضى الاجتماعية، ويقابلها الإسلام وعماده الخضوع لله والانقياد له والرضوخ لما تقتضيه مصلحة الجماعة الإسلامية، واتباع قانون عام هو القانون الإلهي الذي شرعه الدين الجديد"٢. وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤيد هذا المعنى ببيان ما كانت عليه أحكام الجاهلية من جور وضلال، وتفريق بين الناس في المنزلة والمعاملة، كقوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون﴾ [المائدة: ٥٠]، ولا سيما قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاما﴾ [الفرقان: ٦٣]، تلك الآية التي يقول أحمد أمين أن "لعلها المفتاح الذي نصل به إلى معرفة السبب في تسمية ما قبل الإسلام جاهلية والعهد الذي تلاه إسلامًا"٣. ومن هذا القبيل ما يروى عن قول الرسول الكريم ﷺ للصحابي أبي ذر الغفاري عندما عاب على رجل من المسلمين كونه ابن سوداء: "إنك امرؤ فيك جاهلية".
_________
١ الدكتور أحمد أمين: فجر الإسلام، ص٦٩.
٢ الدكتور جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، ١/ ٦-٨.
٣ الدكتور أحمد أمين: نفس المصدر "٦٩-٧٠".
1 / 11
النقوش الكتابية:
إن من يتصدى لتأريخ عهد ما قبل الإسلام يواجه عناءً وجهدًا عظيمين في معالجته، فبالرغم مما اكتشف في جنوبي شبه الجزيرة العربية وفي شماليها من كتابات أثرية ألقت بعض الضوء على التاريخ القديم لهذه المناطق، لم تزل هذه الحقبة من التاريخ العربي غامضة في نظر المؤرخين؛ لأن ما تم كشفه من آثار، وما عثر عليه من نقوش وكتابات ليس كافيا لجلاء ما غمض من تاريخ المنطقة جلاء تاما، ولا بد من مزيد من التنقيب في وسط شبه الجزيرة وفي أطرافها -تلك الأراضي البكر التي لم تعمل فيها فأس المنقبين عملا جادا- وتشجيع علماء الآثار ومنحهم جميع التسهيلات المادية والمعنوية للتجول في جميع أطراف شبه الجزيرة العربية؛ لإجراء التنقيبات الضرورية والبحث عن العاديات، إذ لا يستبعد أن تأتي الآثار التاريخية المدفونة في جوفها بنتائج غاية في الأهمية قد تلقي ضوءًا كاشفًا على تاريخ ما قبل الإسلام، فيسهل على المؤرخين الخوض فيما اعتادوا أن يستصعبوه.
ومما يزيد الصعوبة في تأريخ هذه الحقبة أن قدامى المؤرخين المسلمين لم يبذلوا أي جهد في تحقيق وتمحيص ما وصلهم من أخبار عرب الجاهلية، تلك التي أوردوها كما سمعوها من أفواه الرواة، على ما فيها من تناقض ومن قصص خيالية مليئة بالأساطير، أو أخذوها من أهل الكتاب، وبخاصة منهم اليهود، أو وضعوها في الإسلام "لمآرب اقتضتها العواطف والمؤثرات الخاصة"١، لا سيما وأن تعاليم الإسلام -بما جاء فيها من تهديم للوثنية ولأخلاق الجاهلية- قد قضت بعدم الاهتمام بما يمتُّ إلى الجاهلية بصلة، لا بل شغل المؤرخون المسلمون بالتأريخ للإسلام، فدونوا كل واقعة من وقائعه وأشبعوها تدقيقا وتمحيصا، وانصرفوا عن التأريخ لعهود ما قبل الإسلام. ولم يفطن أحد منهم إلى ما يمكن أن تنبثق عنه الدراسات الموضوعية من تصحيح لما ذخرت به الروايات من تلفيق ومجانبة للواقع في تأريخ حقبة التاريخ العربي القديم الذي طمست مفاخره عن قصد أو عن غير قصد من قِبَل الأخباريين الإسلاميين.
_________
١ الدكتور جواد علي: نفس المصدر، ص١٠.
1 / 12
وقد ظل الأمر كذلك حتى أقدم المستشرقون في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي على ارتياد السبيل العلمية الصحيحة لمعرفة تاريخ العرب القديم، ولا سيما سكان القسم الجنوبي من جزيرة العرب.
ويعد المستشرق الدانماركي "كريستنس فون هافن" -أستاذ اللغات السامية في جامعة غوتنجن الألمانية- أول من وجه الأنظار إلى الكشف عن عاديات بلاد العرب الجنوبية، إذ أقنع ملك الدانمارك سنة ١٧٥٦م بتكوين بعثة علمية، تطوع هو للاشتراك فيها.
وقد أقلعت البعثة من "كوبنهاجن" لهذا الغرض عام ١٧٦١م على ظهر طراد دانماركي حربي، ووصلت إلى اليمن في آخر عام ١٧٦٢، فاستقبلها إمام اليمن واحتفى بأعضائها. غير أن المنية قد اخترمت أربعة من أعضائها واحدًا بعد الآخر بسبب مشاق السفر وقسوة الطبيعة، ولم يبقَ منهم سوى الضابط "كارستن نيبور" الذي أصر على إتمام المهمة، وعاد بنتائج مهمة دونها في كتاب أصدره، ورسم مصورًا للجهات المجهولة من بلاد العرب البعيدة نال تقديرا عظيما من الرحالة المتأخرين١.
أيقظت هذه الرحلة فضول المستشرقين والرحالة، فتتالت البعثات الأثرية إلى اليمن. وقد استطاع كل من الدكتور "سيتزن" الألماني و"جيمس وولستد" و"هولتن" "١٨٣٥م" و"كروتندن" "١٨٣٨م"٢، وبخاصة الدكتور "مكل" العثور على عشرات النقوش العربية التي أرسلت إلى أوروبا لتدقيقها ودراستها، وأخذت دوائر البحث في التوسع، ونشط العلماء في حل رموز الكتابة العربية الجنوبية القديمة.
غير أن التقدم في هذا المجال ظل بطيئًا إلى أن دخله الفرنسيون فقد استطاع الصيدلي "توماس أرنو" "١٨٤٣م" العثور على ٥٦ نقشًا في آثار صنعاء ومأرب أرسلها إلى بلاده، ونشرت في المجلة الآسيوية مع مخطط لسد مأرب. وعثر بعده المستشرق "هاليفي" على ٦٨٦ نقشًا جمعها من ٣٧ مكانًا، كما اكتشف مدينة معين القديمة، واطلع على أسماء عدد كبير من ملوك اليمن القدماء وقبائلهم وآلهتهم.
_________
١ دتيلف نلسن وفرتز هومل: التاريخ العربي القديم، ص١-٣.
٢ نجيب العقيقي: المستشرقون ٢/ ٨٣٥ و٣/ ١٠٩٨.
1 / 13
عاد الألمان والنمساويون بعدئذ إلى الاهتمام بآثار اليمن، فقام العالم النمساوي "إدوار غلازر" بأربع رحلات إلى الجنوب العربي بين ١٨٨٢ - ١٨٩٢م، وجمع عددًا كبيرًا من الكتابات والنقوش أربت على ٦٠٠ بينها أكثر من ١٠٠ نقش من العهد القتباني -وكان له الفضل في أنه أول من مكن العلماء من الوقوف على بعض أخبار مملكة قتبان، إذ كان ما اكتشفه من النقوش التي تتحدث عنها أول كتابات تصل إلى أوروبا- هذا بالإضافة إلى ٤٠ لوحا مكتوبا وإلى كثير من التحف والنقود القديمة، فأغنى بذلك الدراسات العربية اليمنية، وزودها بفيض من المعلومات القيمة. كما رسم مخطط سد مأرب بدقة تامة، واستنسخ الكتابات المنقوشة عليه، وحصل على مقاييس ومساحات بعض المعابد، كمعبد إله القمر في مأرب، وهكذا فتح "غلازر" عهدًا جديدًا في تاريخ العرب القديم فجعله أكثر علمية.
ولا تزال النقوش التي عثر عليها المستشرقون والرحالة، أو صورها المستنسخة وعددها يربو على ٧٠٠٠ معروضة في متاحف أوروبا ومكتباتها الكبرى. وقد نشر كثير منها في المجلات الألمانية والفرنسية والإنجليزية التي تُعنَى بالاستشراق. وأشهر الذين اهتموا بحل رموزها العلماء "موللر وغلازر وهومل" ولا سيما "أوسياندر" الذي استطاع أن يقرأ جميع الكتابات ويكشف عن معانيها، "فوضع بذلك الأساس المتين لدراسة عرفت باسم الدراسة العربية الجنوبية"١.
ولم يقتصر نشاط المستشرقين على اكتشاف آثار الجنوب العربي ونقوشه، بل امتد إلى شمالي الجزيرة العربية، إذ قام بعض الرحالة من السويسريين والإنجليز والألمان منهم "بركهارد" و"جورج والين" وغيرهما بزيارة بعض مدن الحجاز ونجد والبتراء وحوران وبصرى وتدمر، واكتشفوا فيضًا من الآثار، وعثروا على كتابات ألقت قبسًا من النور على التاريخ القديم لهذه المناطق.
لقد أفاد المؤرخون إفادة عظيمة من هذه الآثار والنقوش التي كشفت عن حضارة من أقدم الحضارات البشرية، حضارة عاشت ما يقرب من ١٥٠٠ عام، وهي لا تقل مجدًا وعظمة عن حضارات مصر وبابل وآشور ولا تقل عنها قدمًا. كما كشفت عن خطأ
_________
١ الدكتور جواد علي: نفس المصدر ١٠/ ٧٧.
1 / 14
الاعتقاد الذي كان سائدًا لدى المؤرخين من قبل بأن تاريخ العرب قبل الإسلام لا يمتد إلى أكثر من ٢٠٠ سنة قبل الرسول، بل عادت بالتاريخ العربي القديم إلى ما قبل الميلاد بـ ١٥٠٠ سنة على وجه التقريب، وأثبتت أن هذه الفترة من الزمن كانت حافلة بكل مقومات الحضارة الراقية.
على أن من الصعوبات التي اعترضت حسن الإفادة من هذه الكتابات كونها لا تحمل تاريخًا، أو تحمل تاريخًا يصعب تحديده بالنسبة لتقويمنا المتبع حاليا؛ وهذا ما جعل المؤرخين عاجزين عن ضبط الوقت الصحيح والدقيق الذي دُون فيه النص؛ ذلك أنه لم يكن لعرب الجاهلية تقويم ثابت، فقد كانوا يؤرخون أحيانا بالنسبة لابتداء حكم ملوكهم، أو أنهم أرخوا بأيام الرؤساء والمشايخ وأرباب الأسر، وهي طريقة عرفت عند المعينيين والسبئيين والقتبانيين وغيرهم. ومع ذلك فإن ذكر تاريخ ما -مهما يكن- مفيد للمؤرخ؛ إنه أكثر فائدة مما لو كانت الكتابات خالية من أي تاريخ. غير أن الصعوبة تكمن في كون الملك أو الشخص المؤرخ بالنسبة لعهده وتاريخ ابتداء حكمه غير معروف هو نفسه، فالأشخاص زائلون، وقد لا تعيهم ذاكرة التاريخ أحيانا، ومن الأفضل لو عُمد إلى التأريخ بالنسبة للحوادث الجسام التي تبقى خالدة على كر العصور والأزمان كميلاد المسيح أو كما جرى عليه المسلمون بعد الهجرة النبوية.
وهنا لا بد من استعراض مسألة التقويم عند عرب ما قبل الإسلام. والملاحظ أنه كلما تقارب العهد بينهم وبين ظهور الإسلام، أمكن الوصول إلى معرفة تقويم ثابت لهم، فقد استطاع المؤرخون أن يضعوا أيديهم على مبدأ تاريخ اتبعه الحميريون منذ عام ١١٥ ق. م، إذ اتخذوا تقويما ثابتا يجعل قيام الدولة الحميرية -الذي حدث في تلك السنة- مبدأ لتأريخ أخبارهم١. كما أرخوا بما عرف باسم "نار صوران"، وهي نار كانت تظهر في بعض الحرار في اليمن، وبما عرف باسم "عام سيل العرم".
أما عرب الشمال، فإلى جانب كون الكتابات التي أتتنا منهم نادرة، لم يعرف لهم مبدأ تقويم ثابت، فقد أرخوا أحيانا بالنسبة للأعوام التي تقع لهم فيها أمور متعارف
_________
١ المسعودي "التنبيه والإشراف"، ص١٧٢.
1 / 15
عليها، أو بحياة الرجال الشهيرين أو بموتهم مثلهم كمثل الجنوبيين، كما أرخوا بعام "الخنان"١ وعام "الفيل"٢.
وقد ذكر المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف" "ص ١٧٨" أن بني إسماعيل قد أرخوا من بناء البيت حينما بناه إبراهيم وإسماعيل، ﵉. "فلم يزالوا يؤرخون بذلك حتى تفرقت مَعَدّ، وكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بمخرجهم، ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يؤرخون بخروج آخر من خرج منها من قضاعة ... حتى مات كعب بن لؤي فأرخوا من موته إلى عام الفيل". أما السنة الدورية التي اعتمدها العرب في تقويمهم فهي القمرية لدى الشماليين. يقول المسعودي في المصدر نفسه "ص١٨٣": "جميع ما تؤرخ به الأمم من السنين شمسية ... إلا العرب والإسرائيليين ... فأما العرب فإنها تراعي رؤية الأهلة فتجعل حساب سنتها عليها، وشهورهم شهر ثلاثون يومًا وشهر تسعة وعشرون يوما ... وأيام سنتهم ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما بالحساب المطلق". لكنها في الحقيقة تزيد خمس أو سدس يوم، فتختلف بذلك عن الحساب المطلق وتقل عن السنة الشمسية كما هو معلوم أحد عشر يومًا في كل عام وسنة واحدة كل ٣٣ سنة ولذلك كان العرب في الجاهلية، كما يقول المسعودي، تنسئ لأجل اختلاف الزمان والمواقيت "لتسوي" ما بين السنة الشمسية والقمرية وفي ذلك أنزلت الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْر﴾ [التوبة: ٢٧] "٣. وأما عرب الجنوب في اليمن فقد اعتمدوا كلا التقويمين القمري والشمسي.
_________
١ ليس له تفسير شافٍ، وفي القاموس هو زكام الإبل، وقد يكون حدث في عهد المنذر بن ماء السماء من ملوك الحيرة وماتت الإبل فيه.
٢ وهو الذي أرخ العرب به حتى خلافة عمر بن الخطاب الذي اعتبر الهجرة مبدأً للتقويم الإسلامي.
٣ المسعودي: التنبيه والإشراف، ص١٨٦.
المصادر العربية الإسلامية: يتبين مما تقدم أن الرجوع إلى الآثار المكتشفة -على قلتها- في التأريخ للعرب الجنوبيين أجدى من الاستناد إلى ما كتبه مؤرخو العرب المسلمون؛ لأن ما ذكر هؤلاء عن هذه الحقبة لا يعدو كونه مقدمة موجزة لتواريخهم المفصلة عن العصر الإسلامي الذي سبق
المصادر العربية الإسلامية: يتبين مما تقدم أن الرجوع إلى الآثار المكتشفة -على قلتها- في التأريخ للعرب الجنوبيين أجدى من الاستناد إلى ما كتبه مؤرخو العرب المسلمون؛ لأن ما ذكر هؤلاء عن هذه الحقبة لا يعدو كونه مقدمة موجزة لتواريخهم المفصلة عن العصر الإسلامي الذي سبق
1 / 16
وذكرت أنهم اهتموا به عظيم الاهتمام، هذا فضلًا عن كون ما كتبوه عن عهد ما قبل الإسلام بأجمعه بعيدًا عن الروح العلمية، لا بل يغلب عليه العنصر القصصي المنقول عن السماع والمليء بالأساطير. وقد بلغ بعده عن الدقة أن أسماء الدول والملوك والحوادث التي أوردوها قد جاء فيها كثير من الخلط، فضلا عن التناقض والخلاف بين ما كتبه مؤرخ وآخر.
بيد أننا إذا أردنا الدقة في التعبير يجب أن نميز بين فترتين من أخبار الجاهلية: أولاهما الجاهلية البعيدة، والثانية الجاهلية القريبة من الإسلام. ولتأريخ الفترة الثانية، التي وقعت حوادثها منذ القرن الثاني قبل ظهور الإسلام حتى بزوغ فجره، فلا بأس بل من المستطاع الاعتماد بعض الشيء في بحثها على ما جاء في كتب المؤرخين المسلمين؛ ذلك أن هذه الفترة كات قريبة منهم، ولا بد أن يكون ما أورده الرواة من أخبارها قد حافظ نوعًا ما على صورته الأصلية حتى جاء عصر تدوين الأخبار فسجلت في كتب التاريخ التي وصل معظمها إلينا١.
على أن معرفة الكتابة عند المتأخرين من عرب الجاهلية -ولكن في نطاق ضيق- يعطي للأخبار المنقولة في هذه الفترة شيئًا من الثقة بصحتها، فقد بينت الدراسات الحديثة أن العرب الجاهليين كانوا يدونون أشعارهم بالكتابة. وقد نوه القرآن الكريم في بعض آياته كقوله تعالى: ﴿وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون﴾ [القلم: ١] وكقوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: ١ - ٤] بمعرفة القراءة والكتابة قبل الإسلام.
ومما ذكره الراوية النسابة هشام بن محمد بن السائب الكلبي أنه كان يستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولي منهم لآل كسرى من كتبهم في الحيرة. كما ورد في الأخبار أن النعمان ملك الحيرة كان قد أمر فنسخت له أشعار العرب في كراريس، وأنه كان في قريش عند ظهور الإسلام سبعة عشر شخصًا يعرفون الكتابة منهم "الشفاء بنت عبد الله العدوية" وبعض النسوة الأخريات٢.
_________
١ د. جواد علي: نفس المصدر ١٠/ ٣٤.
٢ نفس المصدر ١/ ١٥، ٣٧-٣٩.
1 / 17
الكتب المقدسة والمصادر اليونانية والنصرانية:
وعدا ما ذكرت يمكن الاستفادة من الكتب المقدسة كالتوراة والتلمود، إذ جاء ذكر للعرب فيها، وإنما الأفضل أن تسلط عليها أشعة النقد والتحليل العقلي والمقارنة مع النقوش المكتشفة. غير أن القرآن الكريم هو من أصدق المصادر فيما تعرض له من حياة الجاهليين، سواء منها الاجتماعية والاقتصادية والدينية فصوَّرها تصويرًا صادقًا.
وكذلك الكتب اليونانية والرومانية والنصرانية القديمة تلك التي أطلق عليها اسم "المصادر الكلاسيكية" -بالرغم مما ورد فيها من أخطاء يمكن ملاحظتها- فإنه يستفاد منها لما حوت من أخبار تاريخية ومعلومات جغرافية وأسماء عربية كثيرة لم تعرف إلا منها. وقد استقاها مؤلفوها من رجال الحملات الرومانية واليونانية التي حاولت الاستيلاء على بلاد العرب، ومن السياح والتجار والملاحين الذين جابوا هذه البلاد. وقد تحدثت هذه الكتب عن وجود علاقات قديمة بين سواحل بلاد العرب وبلاد اليونان والرومان والفرس، وعن تسرب المسيحية إلى شبه جزيرة العرب.
إن من مؤلفي المصادر اليونانية "هيرودوت" اليوناني الملقب باسم "أبي التاريخ" "٤٨٠ - ٤٠٦ق. م" و"تيوفراست" "٣٧١ - ٢٨٧ق. م" و"إيراتوستين وديودور" الصقلي والرحالة اليوناني " سترابون" "٦٤ق. م -١٩م" وهو صاحب كتاب الجغرافيا الذي ورد في الجزء ١٧ والأخير منه مذكراته عن الحملة التي رافق فيها القائد الروماني "إيليوس غالوس" الذي حاول بها احتلال الجنوب العربي. ومنهم أيضا "بطليموس" القلوزي الإسكندري "المتوفى سنة١٤٠م" صاحب كتاب جغرافية بطليموس الذي تحدث فيه عن مدن الجزيرة العربية وقبائلها وأحوالها التجارية وزيَّن الكتاب بالخرائط محددًا مواقع المدن بالدرجات.
ومن مؤلفي المصادر المسيحية "أوسيبيوس" "٢٦٥ - ٣٤٠م" و"روفينيوس تيرانيوس" "المتوفى سنة ٤١٠م" و"شمعون الأرشامي" صاحب رسائل الشهداء الحميريين التي تبحث عن تعذيب الملك ذي نواس للنصارى في نجران، وقد ادعى أنه جمع أخبارها من بلاط الحيرة١.
_________
١ د. جواد علي: نفس المصدر، ص٢٢-٤٣.
1 / 18
الفصل الثاني: جغرافية شبه الجزيرة العربية
مدخل
...
الفصل الثاني: جغرافية شبه الجزيرة العربية
شبه جزيرة العرب هضبة صحراوية كانت في الأزمنة الجيولوجية الغابرة متصلة بالقارة الإفريقية حتى فصل بينهما الأخدود الانهدامي الطولاني الذي حدث في الزمن الجيولوجي الثالث نتيجة صدع في القشرة الأرضية والذي نشأ عنه البحر الأحمر الفاصل بين القسمين. ولذا فإن التشابه بينها وبين أجزاء إفريقيا الشرقية "مصر والسودان والحبشة" التي تقابلها كبير مما دعا أحد الكتاب الغربيين إلى تسميتها، مبالغةً، باسم "إفريقيا الآسيوية"١. وهي تقع في الجنوب الغربي من قارة آسيا بين درجتي عرض ١٢-٣٠ ْ إلى الشمال من خط الاستواء، أي: إن قسمها الجنوبي يقع في المنطقة المدارية الصحراوية، فهي -إذا استثنينا منها المناطق الجبلية الجنوبية العالمية- حارة الإقليم، قاسية المناخ.
وكان من أثر الانهدام والحركات الأرضية الباطنية التي رافقته أن شبه الجزيرة قد مادت بمجموعها واتخذت شكل سطح مائل ينحدر من الغرب ومن الجنوب الغربي "زاوية اليمن" نحو الشرق والشمال الشرقي "زاوية الكويت"٢، وأنها أصبحت محاطة من أطرافها الثلاثة "عدا الشمال" بالبحار، وأن انحدار حافتها الغربية أصبح حادًّا وسريعًا نحو البحر الأحمر، بينما نشاهد أن انحدارها نحو الشرق انحدار هادئ بطيء "متدرج".
ويبلغ متوسط عرض شبه الجزيرة ٧٠٠ ميل "نحو ١١٥٠كم" وأقصى طولها ١٢٠٠ ميل "نحو ٢٠٠٠كم" فهي إذن تأخذ شكل مستطيل يمتد من الجنوب إلى الشمال. وبينما تكون حدودها من جهات الغرب والجنوب والشرق واضحة المعالم إذ تحف بها
_________
١ جان جاك بيريبي: جزيرة العرب، ص٢٠.
٢ Henri Masse: L'lslam، p.٧.
1 / 19
البحار، نشاهد أن حدودها الشمالية غير واضحة وليس من فاصل طبيعي يفصل بينها وبين بلاد الشام. أما مساحتها فتبلغ نحو مليونين ونصف من الكيلومترات المربعة، فهي بذلك تزيد على مساحة الهند، ونسبة مساحتها إلى مساحة القارة الأوروبية هو الربع١، بينما تبلغ خمسة أمثال مساحة فرنسا. فهي بهذا الاتساع وبما تتمتع به من مميزات وخصائص جديرة بأن تعتبر قارة مستقلة، وهي في الواقع أكبر شبه جزيرة في العالم.
لقد قسم جغرافيو العرب القدماء شبه جزيرة العرب إلى خمسة أقسام هي: تهامة، الحجاز، اليمن، نجد، اليمامة، والعروض، غير أنني أفضل أن أسير في دراسة جغرافيتها حسب تقسيم حديث يكون أسهل للفهم. ويميز في هذه الهضبة أنواع مختلفة من المظاهر الجغرافية:
_________
١ ibid، p.٧.
الجبال العالية مدخل ... أ- الجبال العالية: ويمثلها في الأطراف إطار جبلي يمتد على طول الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر ويأخذ هنا اسم "جبال السراة"، وعلى الزاوية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة ويسمى "جبال اليمن" ثم يساير الساحل الجنوبي حتى يصل إلى الجنوب الشرقي في زاوية عمان ويسمى هنا "الجبل الأخضر" مع اختلاف في الارتفاعات يتراوح بين حد أصغري "١٥٠٠م في سراة الحجاز" وبين حد أعظمي "٤٠٠٠م في جبال اليمن"، بينما يبلغ علو "٣٠٠٠م في الجبل الأخضر".
١- جبال السراة: وتنقسم إلى ثلاثة أقاليم: إقليم مدين، الذي يمتد على ساحل خليج العقبة ويبلغ أعلى ارتفاع له "٢٧٠٠م" في "جبل الشفاء"، ويرتبط هذا الإقليم بقوم ثمود من العرب البائدة. وإقليم الحجاز، الذي يبدأ من جنوب خليج العقبة، وقد سُمِّي بهذا الاسم لحجزه سهل تهامة عن داخل شبه الجزيرة. ويلاحظ فيه انخفاض المرتفعات بالنسبة للإقليم السابق، إذ يبلغ وسطيًّا ٩٠٠م فوق سطح البحر، ولا يزيد ارتفاع أعلى جبل فيه "جبل رضوى إلى الشرق من ميناء ينبع" على ٢٠٠٠م.
الجبال العالية مدخل ... أ- الجبال العالية: ويمثلها في الأطراف إطار جبلي يمتد على طول الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر ويأخذ هنا اسم "جبال السراة"، وعلى الزاوية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة ويسمى "جبال اليمن" ثم يساير الساحل الجنوبي حتى يصل إلى الجنوب الشرقي في زاوية عمان ويسمى هنا "الجبل الأخضر" مع اختلاف في الارتفاعات يتراوح بين حد أصغري "١٥٠٠م في سراة الحجاز" وبين حد أعظمي "٤٠٠٠م في جبال اليمن"، بينما يبلغ علو "٣٠٠٠م في الجبل الأخضر".
١- جبال السراة: وتنقسم إلى ثلاثة أقاليم: إقليم مدين، الذي يمتد على ساحل خليج العقبة ويبلغ أعلى ارتفاع له "٢٧٠٠م" في "جبل الشفاء"، ويرتبط هذا الإقليم بقوم ثمود من العرب البائدة. وإقليم الحجاز، الذي يبدأ من جنوب خليج العقبة، وقد سُمِّي بهذا الاسم لحجزه سهل تهامة عن داخل شبه الجزيرة. ويلاحظ فيه انخفاض المرتفعات بالنسبة للإقليم السابق، إذ يبلغ وسطيًّا ٩٠٠م فوق سطح البحر، ولا يزيد ارتفاع أعلى جبل فيه "جبل رضوى إلى الشرق من ميناء ينبع" على ٢٠٠٠م.
1 / 20
وتنتهي جبال السراة في الجهة الغربية، وعلى البحر الأحمر، بسهل تهامة الساحلي الطولاني الذي يمتد من خليج العقبة حتى باب المندب. وهو ضيق يختلف عرضه من مكان إلى آخر اختلافًا بينًا، ولا يتجاوز أقصى عرض له خمسين كيلومترًا، ويطلق عليه اسم "الغور" أيضًا١ لانخفاض أراضيه لا سيما وأنه ناتج عن فعل الانهدام. وقد اشتق العرب اسمه من "التهم" أي: الحر؛ لشدة حره وركود رياحه. على أن انخفاض الحاجز الجبلي في إقليم الحجاز قد أدى إلى سهولة الانتقال بين هذا السهل وبين الداخل، يضاف إلى ذلك أن وقوع هذا الإقليم في أضيق عرض لشبه الجزيرة قد جعل الطريق المار منه نحو الشرق أقصر طريق بين البحر الأحمر والخليج العربي.
في هذا الإقليم تقع "مكة" المكرمة، وهي تمتد في وادٍ ملأته الرواسب بفعل التعرية المائية. وفيه أيضًا "المدينة المنورة" التي تميزت بكونها واحة خصبة وافرة الماء، واشتهرت منذ القديم بزراعة النخل، فورد ذكرها في شعر عروة بن الورد باسم "منبت النخيل" وقد نافست في صدر الإسلام "مكة" التي كان لها شأن كبير في العهد الجاهلي. ويشاهد في جنوبها الشرقي "وادي العقيق" الشهير بينابيعه وكثرة نخيله٢. كما تقع فيه مدينة "الطائف" الشهيرة بهوائها العليل "لارتفاعها" ووفرة مياهها وكثرة نباتها وأشجارها وبساتينها الوارفة الظلال، الأمر الذي جعل منها مصيفًا لأهل مكة ولغيرهم من عرب شبه الجزيرة؛ ولذا أطلق عليها قديما اسم "جنة مكة". وإلى الجنوب من إقليم الحجاز يمتد إقليم العسير - وجباله وعرة كثيرة الانكسارات والفوالق والوديان التي عمقت السيول مجاريها فجعلت المنطقة محززة صعبة المسالك.
_________
١ يقول الشاعر العربي عامر بن الظرب:
قضاعة أجلينا عن الغور كله ... إلى فلجات الشام تزجي المواشيا
٢ في كتاب "صفة جزيرة العرب" للهمداني "ص ١٧٧" أن العقيق عقيقان: العقيق الأعلى للمنتفق ومعه معدن صعاد على يوم أو يومين، وهو أغزر معدن في جزيرة العرب، وهو الذي ذكره النبي ﷺ في قوله: "مطرت أرض عقيل ذهبًا" والأسفل وهو في طيء.
٢- جبال اليمن: وهي الممتدة على الزاوية الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة، ويصل ارتفاع بعض
٢- جبال اليمن: وهي الممتدة على الزاوية الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة، ويصل ارتفاع بعض
1 / 21
أماكنها إلى ٤٠٠٠م كما في قمة النبي شعيب على بعد ٥٠كم جنوب غربي صنعاء، الأمر الذي جعل مناخ المناطق الجبلية في اليمن لطيفًا معتدلًا في الصيف. وتهب على المنطقة من جهة الجنوب الغربي الرياح شبه الموسمية التي تأتيها بالأمطار الصيفية؛ ولذا تعتبر اليمن أخصب أماكن شبه الجزيرة، وأكثرها زراعة وأشجارا وثمارا، مما دعا اليونان قديما إلى تسميتها باسم "العربية السعيدة Arabia Felix" كما سماها بعض العرب القدماء "بلاد العرب الخضراء"١. وقد تكون تسميتها "اليمن" آتية من اليُمن "بضم الياء" بمعنى الرخاء أو لوقوعها على يمين الكعبة إذا وقف الإنسان فيها متجها نحو مشرق الشمس. وإذا كانت اليوم تعاني الجدب والفقر فما ذلك إلا لإهمال استثمارها نتيجةً للتخلف.
وفي الجهة الشرقية من هذه المنطقة الجبلية العالية تقع الهضبة الصحراوية اليمنية، ولا يزيد متوسط ارتفاعها عن ١٠٠٠م، وهي ممتدة في الجهة الداخلية بشكل نجدي تحزه وديان عريضة وطويلة غير عميقة -بعكس المنطقة السابقة- من أهمها وادي بيحان ووادي نجران اللذان يتجهان نحو الداخل، ويعتبران الآن من الأودية الجافة الميتة كغيرهما من وديان شبه الجزيرة، إنما يعطي وجودهما دليلا على أن شبه الجزيرة كانت في القديم مطيرة. ومما نشاهد في هذه الهضبة أطلال مدن الحضارة اليمنية القديمة منتشرة بكثرة في مختلف جهاتها، مثل مأرب ومعين وشبوة ولا سيما أطلال سد مأرب الشهير. والمنطقة كانت قديما غنية ومأهولة بالسكان، وبخاصة وادي حضرموت الذي يخترق الهضبة ويسير في الاتجاه الشرقي الجنوبي حتى يصب في بحر العرب.
_________
١ قال الكلاعي في قصيدة له: "راجع الألوسي: بلوغ الأرب، ١/ ٢٠٣":
هي الخضراء فاسأل عن رباها ... يخبرك اليقين المخبرونا
ويمطرها المهيمن في زمان ... به كل البرية يظمئونا
راجع أيضا الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص٥١.
٣- المرتفعات الجنوبية: تستمر المرتفعات الساحلية من اليمن نحو الشرق حيث تصل في حضرموت إلى علو ٢٠٠٠م وفي ظفار شرقيها إلى ١٠٠٠م، وتظل آخذة في الانخفاض التدريجي كلما اتجهنا
٣- المرتفعات الجنوبية: تستمر المرتفعات الساحلية من اليمن نحو الشرق حيث تصل في حضرموت إلى علو ٢٠٠٠م وفي ظفار شرقيها إلى ١٠٠٠م، وتظل آخذة في الانخفاض التدريجي كلما اتجهنا
1 / 22
نحو الشرق حتى عمان، حيث تبدأ في الارتفاع إلى أن تصل إلى علو ٣٠٠٠م في الجبل الأخضر.
الصحاري والهضاب الداخلية مدخل ... ب- الصحارى والهضاب الداخلية: تتعاقب الصحارى مع الهضاب في داخل شبه جزيرة العرب بترتيب يجعل سطح هذا الإقليم مختلف المظاهر الطبوغرافية. والصحارى العربية واسعة الأرجاء تشغل قسمًا كبيرًا من شبه الجزيرة، وهي وإن كانت رملية على العموم إلا أن تربة بعضها تصبح -بعد هطول الغيث عليها- على شيء من الخصب يجعلها مراعي مفضلة للمواشي١، وهذا ما يجعل بعض أقسامها ملائمًا للارتياد. وتتمثل صحارى شبه جزيرة العرب في ثلاث رئيسية هي: النفود الكبير، الدهناء، الربع الخالي: _________ ١ حافظ وهبة: جزيرة العرب في القرن العشرين، ص١-٢.
١- النفود الكبير: يقع النفود الكبير -ومن أسمائه القديمة "رملة عالج"١- في ملامسة خط وهمي يصل بين خليج العقبة والكويت، وهو الحد الفاصل بين الهلال الخصيب، الذي ينتهي جنوبًا ببادية الشام، وبين شبه الجزيرة٢. وصحراء النفود تشغل مساحة رملية كبيرة تمتد من الشرق إلى الغرب على مسافة ٤٥٠كم ومن الشمال إلى الجنوب على مسافة ٢٥٠كم، وتتألف من رمال ناعمة بيضاء أو حمراء تتخللها صخور ناتئة وكثبان رملية متموجة. وبعض الكثبان الرملية ما هو على شكل نجمي وبعضها الآخر هلالي أو قببي، والهلالية منها يصل امتداد بعضها إلى عدة كيلومترات بارتفاع يتراوح بين متر واحد ومائتي متر. ويطلق العرب اسم "الطعوس" "مفردها: طعس" على التي لا تصلح للزراعة منها، وتكون عادة صغيرة، بينما يطلقون اسم "النقيان" "مفردها: نقي" على الكثبان _________ ١ يقول الأخنس بن شهاب التغلبي: "الهمداني، ص٢٠٤-٢٠٥": وصارت تميم بين قُفٍّ ورملة ... لها من جبال منتأى ومذاهب وكلب لها خيتٌ فرملة عالج ... إلى الحَرَّة الرجلاء حيث تحارب ٢ جواد علي: المصدر نفسه، ١/ ٨٦، ٩٣.
الصحاري والهضاب الداخلية مدخل ... ب- الصحارى والهضاب الداخلية: تتعاقب الصحارى مع الهضاب في داخل شبه جزيرة العرب بترتيب يجعل سطح هذا الإقليم مختلف المظاهر الطبوغرافية. والصحارى العربية واسعة الأرجاء تشغل قسمًا كبيرًا من شبه الجزيرة، وهي وإن كانت رملية على العموم إلا أن تربة بعضها تصبح -بعد هطول الغيث عليها- على شيء من الخصب يجعلها مراعي مفضلة للمواشي١، وهذا ما يجعل بعض أقسامها ملائمًا للارتياد. وتتمثل صحارى شبه جزيرة العرب في ثلاث رئيسية هي: النفود الكبير، الدهناء، الربع الخالي: _________ ١ حافظ وهبة: جزيرة العرب في القرن العشرين، ص١-٢.
١- النفود الكبير: يقع النفود الكبير -ومن أسمائه القديمة "رملة عالج"١- في ملامسة خط وهمي يصل بين خليج العقبة والكويت، وهو الحد الفاصل بين الهلال الخصيب، الذي ينتهي جنوبًا ببادية الشام، وبين شبه الجزيرة٢. وصحراء النفود تشغل مساحة رملية كبيرة تمتد من الشرق إلى الغرب على مسافة ٤٥٠كم ومن الشمال إلى الجنوب على مسافة ٢٥٠كم، وتتألف من رمال ناعمة بيضاء أو حمراء تتخللها صخور ناتئة وكثبان رملية متموجة. وبعض الكثبان الرملية ما هو على شكل نجمي وبعضها الآخر هلالي أو قببي، والهلالية منها يصل امتداد بعضها إلى عدة كيلومترات بارتفاع يتراوح بين متر واحد ومائتي متر. ويطلق العرب اسم "الطعوس" "مفردها: طعس" على التي لا تصلح للزراعة منها، وتكون عادة صغيرة، بينما يطلقون اسم "النقيان" "مفردها: نقي" على الكثبان _________ ١ يقول الأخنس بن شهاب التغلبي: "الهمداني، ص٢٠٤-٢٠٥": وصارت تميم بين قُفٍّ ورملة ... لها من جبال منتأى ومذاهب وكلب لها خيتٌ فرملة عالج ... إلى الحَرَّة الرجلاء حيث تحارب ٢ جواد علي: المصدر نفسه، ١/ ٨٦، ٩٣.
1 / 23
الكبيرة. وبعض هذه الكتل الرملية تشكل ما يسمى عند العرب باسم "العروق"، وتكون مفردة طويلة أحيانا ومتعددة متوازية أحيانا أخرى. وقد يطلقون لفظة "عِرْق" على منطقة فيها عدة عروق كعرق "المظهور" الذي يحتوي على سبع منها١.
والمطر في النفود الكبير قليل، ولكن الغيث قد يجودها في بعض الأشتية فيحيل رمالها الموحشة إلى جنة حقيقية فتبدو وكأنها بساط أخضر يزينها الزهر وشقائق النعمان ومختلف الأعشاب الصحراوية فينتجعها الأعراب للرعي٢، وتنتعش الماشية ولكن لمدة لا تزيد على بضعة أسابيع تهب بعدها رياح السموم، وتتحالف عليها مع أشعة الشمس المحرقة لتحيلها إلى هشيم جاف، وتقضي على معالم النضارة النباتية فيها، وتغدو النفود في أشهر الصيف، الذي يبدأ منذ شهر نيسان عادةً، وكأنها قطعة من الجحيم.
ويتفرع من صحراء النفود الكبير نحو الجنوب شريطان رمليان أحدهما غربي هو النفود الصغير الذي هو في الواقع عدة أنفاد متقطعة متلاحقة متوازية في نهاياتها تأخذ أسماء مختلفة مثل نفود السر، نفود قُنَيْفدة، نفود الشُّقَيْقة، نفود الثُّوَيْرات. والشريط الثاني شرقي ويسمى "صحراء الدهناء". والشريطان يحتضنان هضبة نجد ثم ينتهيان جنوبا بصحراء الربع الخالي، وفي كليهما بعض الجهات التي لا يُشاهد فيها سوى الرمال التي تبلغ من النعومة والتفكك حدًّا يجعلها تبتلع من يسير فوقها، ولذلك يتجنبها المسافرون ابتغاء سلامة أرواحهم. وقد ذكر حافظ وهبة أنه اخترقها من الغرب إلى الشرق على الإبل في بضع عشرة ساعة٣.
أما صحراء الدهناء فتمتد بشكل هلالي تقريبًا، يبلغ ١٣٠٠كم من الطول في محاذاة الخليج العربي. وربما قد اشتق العرب القدماء اسمها من الدهن، باعتبار أنها أفضل الجهات الصحراوية مرعى في الشتاء والربيع، ولكن لعدد من الأسابيع تكثر أو تقل تبعًا لمدة هطول الغيث، وهو يهطل فيها أكثر من غيرها من صحارى شبه الجزيرة. وربما يكون
_________
١ دكتور نبيه عاقل: تاريخ العرب القديم وعصر الرسول، ص٢٠.
٢ دكتور جواد علي: المصدر نفسه، ١/ ٩٤.
٣ حافظ وهبة: المصدر نفسه، ص١-٢.
1 / 24
ما يهطل عليها منه غزيرًا بحيث يشكل سيولًا تسيل لفترة وجيزة١. وقد قيل قديمًا: "إذا أخصبت الدهناء، أربعت العرب جميعًا". ونقل الدكتور جواد علي عن "فيليب حتى" وعن "جون "عبد الله" فيلبي" وغيرهما خلاصة بحوثهم التي تفيد أن الأعشاب التي تعقب الغيث في الدهناء "تبقى عادة زهاء ثلاثة أشهر في السنة ثم تجف"٢. كما أورد أنه يمكن العثور على المياه في قيعانها إذا حفرت فيها الآبار.
_________
١ Henri Masse: Ibid. p.٩.
٢ د. جواد علي: المصدر نفسه، ١/ ٩١.
٢- الربع الخالي: وأما صحراء الربع الخالي التي تشكل في جنوبي شبه جزيرة العرب حوضًا تحف به سفوح مرتفعات العسير واليمن وعُمان من الغرب والجنوب، والخليج العربي من الشرق، فهي من أوسع المساحات الرملية المتصلة في العالم، وكانت تعرف قديما باسم "مفازة صيهد"١. أما مساحتها فمن الصعب تقديرها تقديرًا صحيحًا، وربما لا تقل عن مليون كم٢، بل تزيد، وهي خالية من معالم الحياة النباتية والحيوانية لكثرة جفافها، وتعتبر من أكثر المناطق غموضًا في العالم، فالمعلومات عنها قليلة وأغلب أجزائها لا تزال مجهولة. ويعتبر السائح الإنجليزي "برترام توماس" أول رجل استطاع "في عام ١٩٣١م" أن يخترقها، واستغرق في ذلك ٥٨ يومًا. وقد كشف فيها عن بقايا من الحيوانات مبعثرة هنا وهناك، وعن آثار قديمة ترجع إلى ما قبل الإسلام، الأمر الذي يساعد على التكهن بأنها كانت مأهولة في قديم الزمن، حيث كانت شبه الجزيرة رطبة المناخ مطيرة، لا سيما وأنه في عام ١٩٥١م قام من جدة ركب مكون من بضعة باحثين أوروبيين بزعامة المستشرق الإنجليزي المعروف "جون فيلبي" "عبد الله" وكان مستشارًا للمملكة العربية السعودية، فمر في الطائف ثم بمدينة "أبها" في العسير فنجران، ومن هناك سلك طريق الربع الخالي على حدود الصحراء إلى الرياض، فقطع مسافة ٥٠٠٠ كم في أرض مجهولة تمامًا، وعاد الركب بآلاف النقوش الكتابية٢. _________ ١ الهمداني: المصدر نفسه، ص٨٤: "أما فلاة اليمن وغائطه فإنه صيهد، وهي فلاة تتفرق من الدهناء من ناحية اليمامة والفَلَج". ٢ ديتلف نلسن، هومل، ورفاقهما: تاريخ العرب القديم، ص١٦١ "من استكمال بقلم د. فؤاد حسنين علي".
٢- الربع الخالي: وأما صحراء الربع الخالي التي تشكل في جنوبي شبه جزيرة العرب حوضًا تحف به سفوح مرتفعات العسير واليمن وعُمان من الغرب والجنوب، والخليج العربي من الشرق، فهي من أوسع المساحات الرملية المتصلة في العالم، وكانت تعرف قديما باسم "مفازة صيهد"١. أما مساحتها فمن الصعب تقديرها تقديرًا صحيحًا، وربما لا تقل عن مليون كم٢، بل تزيد، وهي خالية من معالم الحياة النباتية والحيوانية لكثرة جفافها، وتعتبر من أكثر المناطق غموضًا في العالم، فالمعلومات عنها قليلة وأغلب أجزائها لا تزال مجهولة. ويعتبر السائح الإنجليزي "برترام توماس" أول رجل استطاع "في عام ١٩٣١م" أن يخترقها، واستغرق في ذلك ٥٨ يومًا. وقد كشف فيها عن بقايا من الحيوانات مبعثرة هنا وهناك، وعن آثار قديمة ترجع إلى ما قبل الإسلام، الأمر الذي يساعد على التكهن بأنها كانت مأهولة في قديم الزمن، حيث كانت شبه الجزيرة رطبة المناخ مطيرة، لا سيما وأنه في عام ١٩٥١م قام من جدة ركب مكون من بضعة باحثين أوروبيين بزعامة المستشرق الإنجليزي المعروف "جون فيلبي" "عبد الله" وكان مستشارًا للمملكة العربية السعودية، فمر في الطائف ثم بمدينة "أبها" في العسير فنجران، ومن هناك سلك طريق الربع الخالي على حدود الصحراء إلى الرياض، فقطع مسافة ٥٠٠٠ كم في أرض مجهولة تمامًا، وعاد الركب بآلاف النقوش الكتابية٢. _________ ١ الهمداني: المصدر نفسه، ص٨٤: "أما فلاة اليمن وغائطه فإنه صيهد، وهي فلاة تتفرق من الدهناء من ناحية اليمامة والفَلَج". ٢ ديتلف نلسن، هومل، ورفاقهما: تاريخ العرب القديم، ص١٦١ "من استكمال بقلم د. فؤاد حسنين علي".
1 / 25