وهز هكتور رمحه، ورمى به أياس، ولكنه لم يبلغ منه مبلغا. وصوب أياس فدقق التصويب، ورمى هكتور برمحه، فاخترق درعه، ولكنه لم ينغرز في جسمه؛ إذ تحاماه بخفة وبراعة. وظلا يقتتلان طوال النهار، واستخدما جميع الأسلحة: الرماح تارة، والسيوف تارة أخرى. ولما لم يجد السلاح فتيلا، تقاتلا بالأيدي المجردة. حتى هبط المساء، ولم تكتب الغلبة لأحدهما، فقال هكتور: «أي أياس، إنك لمحارب عظيم حقا، بل إنك من خير محاربي الإغريق. والآن وقد حل الظلام، دعنا نوقف القتال، ثم نستأنفه في نهار آخر، على أن نفترق صديقين. حتى يقال: إننا تقاتلنا في عراك علني قتالا شريفا في بسالة نادرة، وافترقنا فارسين صديقين. فلتذهب إلى معسكرك، ولأعد إلى طروادة.»
وقدم هكتور سيفا رائعا لأياس هدية تقدير وإعجاب، كما قدم أياس زنارا من الفضة لهكتور أمارة تقديره له، واحترامه لشجاعته.
وأولم أغاممنون في معسكر الإغريق وليمة فاخرة إجلالا لبطلهم أياس، وأثنى على بلائه ومهارته الحربية، وفروسيته العظيمة.
وفي الصباح، راح كل من الفريقين يلملم أشلاء قتلاه، ويودعها الثرى، فقد توقف القتال طوال النهار.
الفصل السادس
مشورة نسطور الحكيم
عبأ أغاممنون الجيش الإغريقي أحسن ما تكون التعبئة، وزحف به في اليوم التالي - في جسارة فائقة - لملاقاة الطرواديين. ولم يتألق أحد في ذلك اليوم كما تألق أغاممنون؛ فقد فاقت شجاعته كل تصور، وقتل من الطرواديين خلقا كثيرا، ورد جيشهم على أعقابه مدحورا. وظل يقاتل في بسالة نادرة حتى وقت الظهيرة، عندما أصابه رمح أحد الأعداء في يده اليمنى، فلم تهن عزيمته، وإنما ظل في الميدان صامدا مقاتلا، حتى ألح عليه ألم الجرح فلم يجد مفرا من العودة إلى المعسكر.
عندئذ تقدم هكتور. ودارت رحى المعركة أعنف ما تكون، ولقي هكتور في الميدان أوديسيوس، وديوميديس، وهما من أعظم جنود الإغريق شجاعة. وحانت لديوميديس فرصة من هكتور، فهوى على خوذته بضربة شديدة من سيفه جعلت الأرض تدور به، وأصبح كالمغشي عليه من الموت، فاضطر إلى التقهقر ومحاولة الانسحاب من المعركة. ولكن باريس أصاب ديوميديس بطعنة رمح في عقبه، الأمر الذي لم يستطع معه في المعركة بقاء؛ بل تخلى عنها، وراح يسعى حثيثا إلى المعسكر، والدم ينزف من جرحه، ويتقاطر وراءه في طريقه إلى خيمته.
لما عاد ديوميديس إلى المعسكر أصبح أوديسيوس وحيدا في الميدان، فتكاثر عليه الطرواديون، وضربوا حوله حصارا متينا، وأتيح لأحدهم أن يصيبه بجرح في جنبه، ولكن ذلك لم يقعد همته عن مواصلة القتال بجنان ثابت. بيد أنه وقد أصبح في الميدان وحيدا، وفي جنبه مصابا، رأى الموت يدنو منه، فأطلق صيحته يطلب الغوث والنجدة، فصادفت أذنا مصغية، وقلبا جسورا، من أياس ومينيلاوس، فهرعا إليه ملبيين.
أثخنت الجراح معظم قادة الإغريق، وتمزقت جموع جيشهم، وراحوا ينسحبون من الميدان، ويضطربون في العودة إلى معسكرهم، والطرواديون يتعقبونهم: يقتلون ويجرحون، وقد أسكرتهم نشوة الظفر، فطفقوا يصيحون ويهللون.
अज्ञात पृष्ठ