हरा घोड़ा मर जाता है एस्फाल्ट सड़कों पर
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
शैलियों
كنا نراها تسير في شوارع قريتنا بلا انقطاع، حتى خيل إلينا أنها ولدت ماشية! ذراعاها تستريحان على صدرها الضيق الذي لا يكاد يعلو أو يهبط، تسندان ملاءتها الذابلة المغبرة؛ لطول ما تعرضت للشمس والتراب، وعيناها؛ نعم عيناها؛ فقد كان كل ما في وجهها هاتين العينين اللتين لم يخلق الجسد إلا ليحملهما - تتابعان عابري السبيل في إشفاق لا حد له، وتغمران بالحنان كل ما تصادفه؛ الرجال العائدين من الحقول، والنساء الذاهبات إلى السوق أو المأتم، والأطفال الذاهبين إلى الكتاب أو المدرسة البعيدة، حتى الحيوانات التي تجري على رزقها كان لها من حنانها نصيب! تقابل إنسانا وليكن فلاحا عائدا من حقل له، ومعه جاموسته وحماره وكلبه، وقد تكون معه امرأته وطفله على ظهر الحمار أو سائرين على الأرض، فتقف أمام موكبه الصغير، وتقول فجأة: عاوز حاجة يا حبيبي؟
ويوقف الفلاح جاموسته وحماره اللذين لا يفهمان سببا لذلك، ويسأل بدوره: حاجة إيه يا حاجة؟
فترد بصوتها الهادئ المبحوح قليلا: أي حاجة في نفسك يا ابني، قول على اللي انت عاوزه.
ويسكت الرجل لا يدري ماذا يقول أو يفعل؟ ويدور الكلب حولها ويتشممها وينبح غاضبا للوقفة التي لا داعي لها، وتتصعب المرأة وتضع يدها على خدها: يا عيني عليك!
وينتبه الرجل إلى نفسه، فيقول وهو يجذب حبل الجاموسة: إدعي لربنا يسترنا وإياك يا حاجة.
فتقول المرأة بصوتها الهادئ الطبيعي وهي ترى القافلة الصغيرة تبتعد عنها: حاضر يا ابني، مستورة إن شاء الله.
ثم تمضي في طريقها الذي لا يدري أحد من أين يبدأ ولا ينتهي، بغير أن تنتبه إلى دعوة إلى الله أن يشفيها ويشفي مرضانا ومرضى المسلمين بحق هذا اليوم، أو ضحكة يعبر بها صاحبها عما في الدنيا من عجائب وأحوال.
في البداية لم يكن يدري أحد كيف يجيب عن سؤالها؟ أو ماذا يقول أو يتصرف حيالها؟ فالسؤال يلقى فجأة بصوت حنون فيه بحة كشهقة طفل يبكي، يخرج من فمها طبيعيا كالنفس الذي يخرج من فمها؛ فلا يثير أي رغبة في الجواب أو جهد في البحث عنه. - «عاوز حاجة يا ابني»؟ أو «عاوز حاجة يا حبيبي»؟ ...
تأتي هادئة وثابتة كأن صاحبها يقول: إزي صحتك؟ أو سلامات يا ابني، أو إن شاء الله تكون بخير. شيء كان يلقى علينا، فنراه أمامنا كما نرى شجرة أو نهرا أو سحابة، ولا يخطر ببال أحد أن يسأل ماذا تريد الشجرة أو النهر أو السحابة؟ فكما يسير الناس في شوارع قريتنا وحاراتها ويقابلون عربة يجرها حصان، أو كلبا ينبح بغير سبب، أو قطة تقف على عتبة باب، أو طفلا يبكي على ذراع أمه أو شحاذا يمدح النبي ويطلب الأجر والثواب لعباد الله، فلا يجد أحد في ذلك شيئا غير مألوف؛ فكذلك صاروا مع الزمن يقابلون هذه المرأة، فيتوقعون أن تقف هادئة أمامهم، وتلقي عليهم بسؤالها الذي لا يتغير: عاوز حاجة؟
صحيح أننا كنا في مبدأ الأمر نصاب بالحيرة والمفاجأة، ويرتج علينا لحظة، فلا ندري بم نجيب؟ وقد نفكر بالفعل في أن نفضي بحاجة تدور في نفوسنا؛ لكن الواحد منا كان يصحو بعد قليل على هذا الشبح الآدمي الواقف أمامه، ويسأل نفسه: ماذا يمكن أن تفعله هذه المسكينة من أجله؟ وهل فعلت هي لنفسها شيئا أو قضت لنفسها حاجة حتى تسأل الناس عن حاجاتهم؟ وكانت تقابل الرجل منا، فتتجه نحوه وتقف أمامه، فيضطر أن يوقف سيره وينتظر سؤالها الذي يكون قد سمعه منها أو سمع به من أحد الناس، وغالبا ما يشده شيء مجهول إلى الأرض، ويمنعه من المضي في طريقه؛ ربما يكون حب الاستطلاع، أو الخوف من الإساءة إلى مخلوق يرى بنفسه ضعفه وسوء حاله، أو الرغبة التي تجعلنا نشتاق لإنسان يسألنا عن حاجتنا والأمل الغامض في أنه ربما ساعدنا على قضائها! يكون الواحد منا سائرا في طريقه، وإذا به يسمع السؤال الذي عرفناه من قبل: عاوز حاجة يا حبيبي؟
अज्ञात पृष्ठ