भारत गांधी के बाद: विश्व के सबसे बड़े लोकतंत्र का इतिहास
الهند ما بعد غاندي: تاريخ أكبر ديمقراطية في العالم
शैलियों
فهل ستتكرر «معجزة كلكتا» في دلهي؟ بدا أن قادة الجماعات المتشددة قد هدأت حدتهم إثر صيام غاندي، إلا أن أتباعهم ظلوا عدائيين. في زيارات سابقة لدلهي، أقام غاندي في حي الكناسين، إلا أنه نزل تلك المرة في دار أحد محبيه وهو المليونير جي دي بيرلا. وحتى أثناء صيامه، كانت جماعات من اللاجئين تمر من أمام منزل بيرلا هاتفة: «دعوا غاندي يموت.» ثم ألقى لاجئ من البنجاب يدعى مادان لال قنبلة يوم 20 يناير على غاندي داخل منزل بيرلا بينما كان يقود الناس في مجلس صلاة، فانفجرت القنبلة على مسافة قريبة منه، ولحسن الحظ لم يصب أحد بأذى.
لم تنل محاولة قتل غاندي من عزيمته؛ إذ ظل يجتمع بالناس، واجتمع أيضا مع اللاجئين الغاضبين. ويوم 26 يناير تحدث أثناء مجلس الصلاة عن أن ذلك اليوم كان يحتفل به في الماضي كعيد الاستقلال، والآن أتت الحرية، ولكن الأشهر القليلة الأولى فيها جاءت مخيبة للآمال بشدة، إلا أنه كان يثق بأن «المرحلة الأسوأ قد ولت»، وأن الهنود سيعملون معا على تحقيق «المساواة بين الطبقات والعقائد كافة، لا لسيادة الأغلبية وتفوقها على الأقلية أبدا، مهما كانت ضآلة الأقلية، سواء من حيث العدد أو النفوذ». وقد سمح لنفسه أيضا بأن يأمل «أنه على الرغم من انقسام الهند جغرافيا وسياسيا إلى شطرين، فسنكون دائما في قلبنا أصدقاء وإخوة يساعد أحدنا الآخر ويحترمه، ونبقى متحدين أمام العالم الخارجي».
كان غاندي قد كافح طيلة حياته من أجل حرية الهند ووحدتها، إلا أنه في النهاية استطاع أن ينظر إلى تقسيمها بتجرد وهدوء، ولكن كان ثمة أشخاص آخرون أقل تسامحا؛ ففي مساء يوم 30 يناير أطلق عليه شاب الرصاص أثناء مجلس الصلاة اليومي فأرداه قتيلا. كان القاتل - الذي سلم نفسه بعدها - برهميا من بونا يدعى ناثورام جودسي. أحيل إلى المحاكمة وحكم عليه بالإعدام فيما بعد، ولكن ليس قبل أن يلقي خطابا مميزا مبررا فعلته؛ فقد ادعى جودسي أن مبعث الاستفزاز الرئيسي بالنسبة إليه من المهاتما كان «مداومته وإصراره على استرضاء المسلمين»، والذي «قد بلغ أوجه في صيامه الأخير من أجل المسلمين، مما أوصلني إلى أنه لا بد من الإنهاء الفوري لوجود غاندي».
36
4
جلب موته فيضانا جارفا من الأسى؛ فأشاد بذكراه ألبرت أينشتاين - الذي طالما اعتبره أعظم شخصية في القرن العشرين - بكلمات تهز المشاعر، وكذلك أشاد بذكراه جورج أورويل - الذي كان يعتبر غاندي دجالا يوما، ولكنه بات يراه قديسا. وصدر عن جورج برنارد شو رد فعل أرعن خليق به؛ إذ قال: «هذا دليل على مدى خطورة أن يكون المرء صالحا»، وآخر دنيء من محمد علي جناح خليق به؛ إذ قال إن وفاة خصمه القديم خسارة بالنسبة إلى «المجتمع الهندوسي» فحسب.
إلا أن أهم ردي فعل معلنين صدرا عن أبرز - بل أقوى - تابعين لغاندي، وهما: فالابهاي باتيل وجواهر لال نهرو؛ فباتيل الذي كان آنذاك وزير داخلية الحكومة الهندية، كان جوجاراتي كغاندي وانضم إلى صفه منذ عام 1918، وكان منظما وواضع استراتيجيات ممتاز، واضطلع بدور رئيسي في جعل المؤتمر الوطني حزبا قوميا. وفي مجلس الوزراء الهندي، كان هو الرجل الثاني مباشرة بعد رئيس الوزراء جواهر لال نهرو. كان نهرو قد انضم لغاندي بعد باتيل بعامين، وكان يستطيع محادثته بلغتين فقط من لغاته الثلاث (الهندية والإنجليزية)، إلا أنه جمعته به رابطة عاطفية عميقة، ومثل باتيل كان يطلق على غاندي عادة «بابو»؛ أي، «أبي»، ولكنه كان الابن الأثير من عدة نواح (أعز بكثير من أبناء المهاتما الفعليين الأربعة)، وكان أيضا وريثه السياسي المختار.
في ذلك الحين - إذ عصفت القلاقل المدنية بالهند - أخبر الرجلان الأمة أنه على الرغم من رحيل المعلم، فرسالته باقية. وقد ناشد باتيل الناس، في حديثه على إذاعة «أول إنديا راديو»، بعد مقتل غاندي مباشرة، ألا يفكروا في الانتقام، وإنما «أن يحملوا رسالة المحبة ونبذ العنف التي أطلقها المهاتما. وإنه لمن دواعي خجلنا أن أعظم رجل في العالم اضطر إلى أن يدفع حياته ثمنا لآثام اقترفتها أيدينا. إننا لم نطعه في حياته؛ فدعونا نسير على خطاه الآن بعد مماته على الأقل».
37
أما نهرو فقال بعد نثر رماد غاندي في نهر الجانج في الله أباد: «لقد دفعنا ثمنا باهظا حتى نعي الدرس، فهل بيننا الآن من لن يتعهد بعد وفاة غاندي بإتمام رسالته ...؟» وأضاف نهرو أنه صار على الهنود الآن «أن يتحدوا ويحاربوا سم الطائفية القاتل الذي أودى بحياة أعظم رجال زمننا».
अज्ञात पृष्ठ