पश्चिम की बुद्धि
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
शैलियों
إن الخير الأسمى عند أبيقور هو اللذة، ولولاها لكانت الحياة السعيدة مستحيلة، وتشمل اللذات التي كان يعنيها، ملذات الجسم وملذات العقل معا. أما الأخيرة فقوامها تأمل الملذات الجسمية، وهي ليست أسمى من الأولى بأي معنى حقيقي، ومع ذلك فلما كانت لدينا سيطرة أكبر على اتجاه أنشطتنا العقلية، فإننا نستطيع إلى حد ما أن نختار موضوعات تأملنا، على حين أن انفعالات الجسم تفرض علينا إلى حد بعيد، وهنا تكمن الميزة الوحيدة للملذات العقلية، وتبعا لهذا الرأي فإن الإنسان الفاضل يحصر همه في السعي إلى ملذاته.
هذه النظرية العامة تؤدي إلى ظهور مفهوم للحياة الخيرة يختلف كل الاختلاف عن مفهوم سقراط وأفلاطون، ويتجه كلية إلى الابتعاد عن الفاعلية والمسئولية، وبطبيعة الحال فإن سقراط كان ينظر بالفعل إلى حياة التأمل العقلي على أنها أفضل حياة على الإطلاق. غير أن ذلك لم يكن يعني عنده الانعزال والعزوف، بل إن من صميم واجبات الصفوة أن يقوموا بدور فعال في إدارة دفة الشئون العامة.
كذلك كان أفلاطون متشبعا بقوة بهذا الإحساس بأداء الواجب.
فالفيلسوف الذي خرج من الكهف ينبغي أن يرجع ويساعد على تحرير أولئك الذين لا يملكون ما يملكه من نفاذ البصيرة، وكان اقتناعه هذا هو الذي دفعه إلى القيام بمغامراته في صقلية. أما عند أبيقور فلا يتبقى شيء من فاعلية الحياة ونشاطها. صحيح أنه يميز بين اللذات الإيجابية والسلبية، ولكنه يعطي الأولوية للثانية، أما اللذة الإيجابية فتمارس في السعي إلى غاية تنطوي على لذة، بدافع الرغبة في الشيء الذي نفتقر إليه، وما أن يتم بلوغ الهدف، حتى تتحقق لذة سلبية في غياب أية رغبة أخرى، إنه انتشاء تخديري بحالة من الاكتفاء والتشبع.
وفي وسع المرء أن يفهم أن هذا النوع من أخلاق الحذر والفطنة كان مطلوبا في عصر يعاني من انعدام الاستقرار واليقين في الحياة.
أما من حيث هو إيضاح لطبيعة الخير، فهو بلا شك أحادي الجانب إلى أبعد حد؛ فهو يغفل، من بين ما يغفله، أن غياب الرغبة أو الشعور الشخصي سمة للسعي الإيجابي إلى المعرفة بالذات، ولقد كان سقراط على حق تماما حين ذهب إلى أن المعرفة خير؛ ذلك لأن السعي المتجرد إلى الفهم هو الذي يجعلنا نصل إلى ذلك النوع من اليقظة المنزهة التي كان يبحث عنها أبيقور.
غير أن مزاج أبيقور الشخصي أدى به إلى أن يكون أقل اتساقا مما توحي به آراؤه الأقرب إلى التقشف؛ فقد كان يقدر الصداقة فوق كل شيء آخر، على الرغم من أن الصداقة لا يمكن أن تعد - كما هو واضح - ضمن اللذات السلبية، أما أن كلمة «الأبيقوري» أصبحت تستخدم علامة على حياة الترف والمتعة، فذلك يرجع إلى أن قدرا كبيرا من الافتراء قد حل بأبيقور على أيدي معاصريه من الرواقيين وخلفائهم، الذين استنكروا ما بدا لهم أنه نظرة إلى الحياة مفرطة في المادية لدى الأبيقوريين. وهذا رأي يزداد خطؤه وتضليله وضوحا إذا أدركنا أن مجموعة الأبيقوريين كانت تحيا بالفعل حياة متقشفة.
لقد كان أبيقور ماديا بمعنى أنه كان يؤمن بالمذهب الذري عند ديمقريطس، غير أنه لم يأخذ بالرأي القائل إن حركة الذرات تحكمها قوانين صارمة؛ ففكرة القانون - كما أوضحنا من قبل - مستمدة في الأصل من المجال الاجتماعي. ولم تطبق على أحداث العالم الطبيعي إلا فيما بعد، والدين بدوره ظاهرة إجماعية، ومن هنا فإن هذين الاتجاهين الفكريين يتلاقيان في قولهما بمفهوم الضرورة.
فالآلهة هي المشرعة النهائية للقوانين، وهكذا فإن أبيقور في رفضه للدين اضطر إلى استبعاد قانون الضرورة الصارم بدوره. وعلى ذلك فإن الذرات عند أبيقور يسمح لها بقدر معين من الاستقلال التلقائي، وإن كانت أية عملية معينة ما إن تبدأ في الحدوث، حتى يصبح مجراها التالي متمشيا مع القوانين كما هي الحال عند ديمقريطس.
أما عن النفس، فإنها لا تعدو أن تكون نوعا من المادة تختلط جزيئاته بالذرات المكونة للجسم. ويفسر الإحساس بأنه تصادم انبعاثات من الأشياء مع ذرات النفس، وحين يحل الموت تفقد ذرات النفس تماسكها مع الجسم وتتبعثر، فتظل باقية بوصفها ذرات، ولكنها لا تعود قادرة على الإحساس، وعلى هذا النحو يثبت أبيقور أن الخوف من الموت أمر يتنافى مع العقل؛ لأن الموت ذاته ليس شيئا يمكننا أن نجربه، وعلى الرغم من أنه كان يعارض الدين بشدة ، فإنه لم يرفض فكرة وجود الآلهة، غير أن وجودها لا يزيد حياتنا خيرا أو شرا؛ ذلك لأن الآلهة ذاتها تمارس المبادئ الأبيقورية بكل شغف، ومن ثم فهي لا تكترث بمشاكل البشر، ولا تفرض ثوابا أو عقابا.
अज्ञात पृष्ठ