पश्चिम की बुद्धि
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
शैलियों
التي تعني ببساطة تغييب الإدراك)، على أن ما يهمنا هنا هو الإدراك الحسي. والواقع أن الرأي القائل إن المعرفة هي الإدراك الحسي يماثل صيغة بروتاجوراس القائلة إن الإنسان مقياس الأشياء جميعا؛ ففي الإدراك الحسي تبدو الأشياء كما تبدو، بحيث لا يمكن أن نكون على خطأ، ولكن يتضح في المناقشة التالية أن التعريف المقترح للمعرفة غير كاف؛ إذ ليس يكفي أولا أن يقال إن شيئا ما يكون على نحو ما يظهر عليه، ما دام أي شيء لا «يكون» بالمعنى الصحيح، فالأشياء في حالة صيرورة دائمة، كما قال هرقليطس، والواقع أن الإدراك الحسي تفاعل بين المدرك (بكسر الراء) والمدرك (بفتحها)، وفضلا عن ذلك فإن بروتاجوراس ذاته كان خليقا بأن يعترف بأنه في المسائل التي يتعين فيها اتخاذ قرار، لا يكون لرأي شخص ما نفس قيمة رأي الآخر؛ لأن الخبير حكمه أفضل من غير المتخصص، وفضلا عن ذلك فإن الشخص الذي لم يدرب على الفكر الفلسفي لن يوافق على هذه الصيغة، ومن ثم فإن بروتاجوراس مضطر إلى الاعتراف بناء على مقدماته ذاتها، إن النظرية ليست صحيحة بالنسبة إلى مثل هذا الشخص، وحصيلة هذه المناقشة هي أننا إذا حاولنا أن نصف المعرفة من خلال نظرية هرقليطية في التغير الدائم، فسوف نجد أنفسنا عاجزين عن أن نقول شيئا؛ إذ قبل أن يعمل اللفظ على تثبيت أي شيء، يكون قد ذاب متحولا إلى شيء آخر، ومن هنا كان لزاما علينا أن نجرب طريقة أخرى للإجابة عن السؤال: ما المعرفة؟
لنتأمل إذن هذه الحقيقة على حين أن لكل حاسة من الحواس موضوعاتها الخاصة، فإن أي شيء يتضمن ارتباطا بين إدراكات الحواس المختلفة يحتاج إلى عمل حاسة ما شاملة، وهذه هي النفس أو العقل، وهما لفظان غير متميزين عند أفلاطون، فالنفس تدرك صفات عامة، كالهوية والاختلاف والوجود والعدد، فضلا عن الصفات العامة التي تتضمنها الأخلاق والفن. ومن ثم لم يكن من الممكن تعريف المعرفة بأنها إدراك حسي فحسب، وعلى ذلك فلنحاول أن نرى إن كنا نستطيع الاهتداء إلى تعريف من جانب النفس. إن مهمة النفس هي إجراء محاورات مع ذاتها، وحين نصل إلى حل لمسألة ما نقول إن النفس أصدرت حكما، فهل نستطيع أن نعرف المعرفة بأنها الحكم الصائب؟ لو اختبرنا هذا التعريف لوجدنا أن من المستحيل بموجبه أن نقدم تعليلا معقولا للحكم الباطل أو الخطأ، غير أن الجميع يسلمون بأن ثمة أخطاء ترتكب، ومع ذلك فإن التمييز بين الصواب والخطأ لا يعرض في هذه المرحلة، وإنما يكتفي أفلاطون بتمهيد الأرض، ومن الجائز أن رأيه الخاص في هذه المشكلة لم يكن قد اكتمل في ذلك الحين.
غير أن الحكم الباطل يستحيل لو كان الحكم نشاطا تقوم به النفس وحدها، ونستطيع أن نتخيل الذهن على أنه لوح نقشت عليه علامات الذاكرة. عندئذ يكون قوام الخطأ هو ربط الإحساس الحاضر بالعلامة الخطأ، ولكن هذا التفسير لا يفلح في حالة الأخطاء الحسابية، حيث لا توجد أشياء ندركها عن طريق الإحساس. فإذا تصورنا العقل على شكل قفص للطيور من نوع ما، والطيور الموجودة داخله هي أجزاء من المعرفة، فعندئذ قد يحدث من آن لآخر أن نصطاد الطائر غير المقصود، فيكون هذا هو الخطأ، غير أن ارتكاب الخطأ في هذه الحالة لن يعود مماثلا للإدلاء بحقيقة غير منطبقة على الموضوع المطلوب؛ لذلك ينبغي أن نفترض أن بعض الطيور هي أجزاء من الخطأ، ولكننا إذا أمسكنا واحدا من هذه فإننا نعرف أن هذا خطأ بمجرد أن نمسك به، بحيث يستحيل أن نكون على خطأ، وفضلا عن ذلك فإن في وسعنا أن نشير إلى النقطة التي تغفلها هذه الحجة، وهي أن المرء إذا سرب إليها جوانب من الخطأ، فعندئذ تصبح القصة بأكملها، من حيث هي تفسير للخطأ، حلقة مفرغة.
كذلك فإن المرء قد يصدر حكما صحيحا بالصدفة، أو لأسباب أخرى، كالرغبة في اعتناق رأي يتصادف أنه صحيح بالفعل، وهذا ما يحاول أن يتجنبه التعريف الأخير؛ فالمعرفة حكم صائب يدعمه البرهان، أي إنه بغير البرهان لا يكون ثمة معرفة. ولنشبه هذا بحروف يمكن تسميتها، ولكن ليس لها معنى، وبتجمعات لهذه الحروف في مقاطع يمكن تحليلها بدورها، ومن ثم فهي موضوع للمعرفة، ولكن إذا كان المقطع هو مجموع حروفه، فإنه يكون غير قابل للمعرفة مثلها، وإذا كان أكثر من مجموع حروفه، فإن هذه السمة المضافة هي التي تجعله قابلا لأن يعرف، ومن ثم تصبح العبارة فارغة، ومن جهة أخرى فما المقصود هنا بالبرهان؟ من الواضح أنه وصف للطريقة التي يختلف بها الشيء عن جميع الأشياء الأخرى، وهذا الوصف إما أن يكون حكما آخر، أو معرفة بالاختلاف؛ فالأول يؤدي إلى تسلسل إلى ما لا نهاية، والثاني إلى دور في التعريف. ولا يقدم أفلاطون بعد ذلك حلا لهذه المشكلة، ولكنه طهر الجو من بعض المفاهيم الباطلة؛ فليس في وسع الإدراك الحسي وحده، أو الفهم العقلي وحده، أن يفسر المعرفة.
ومن الواضح أن مشكلة المعرفة ومشكلة الخطأ هنا وجهان لمسألة واحدة، ولما كانت المناقشة الحاضرة لم تفلح في الوصول إلى حل لأي منهما، فلا بد من البدء من جديد، وهذا ما سنفعله الآن.
سوف ننتقل الآن إلى محاورة تعلن أنها تواصل محادثة «تيتاتوس» في اليوم التالي، وهي محاورة «السفسطائي»، التي يمكن تحديد تاريخها بناء على خصائص أسلوبها بأنها قد كتبت بعد «تيتاتوس» بوقت طويل. في هذه المحاورة نجد المجموعة التي تتحاور هي نفسها المجموعة السابقة، ولكن يظهر على المسرح بالإضافة إليها غريب من إيليا، يحتل الموقع الرئيسي في الحوار، على حين أن سقراط يلعب دورا ضئيلا في المناقشة. والهدف الظاهر من «السفسطائي» هو الوصول إلى تعريف السفسطائي، وتمييزه عن الفيلسوف هذا التضاد الخفي الذي تنطوي عليه المحاورة يبدو أنه موجه أساسا ضد المدرسة السقراطية في ميغارا
Megara ، التي طورت طريقة هدامة أحادية الجانب في التلاعب بالمنطق على طريقة المدرسة الإيلية، ويكشف الغريب الإيلي، الذي يمكننا أن نرى فيه صوت أفلاطون ذاته، عن فهم أصدق للمشكلات، ويقدم حلا بارعا لمشكلة الخطأ، وهكذا يعرفنا أفلاطون مستخدما هذا الغريب بوصفه متحدثا بلسانه أنه هو ذاته ينتمي إلى التراث الحقيقي للتطور الفلسفي، على حين أن المتلاعبين بالمتناقضات على الطريقة السفسطائية في مدرسة ميغارا قد انحرفوا عن هذا الطريق.
والمشكلة الحقيقية التي تعالج في محاورة «السفسطائي» هي لغز اللاوجود، الذي نبه إليه بارمنيدس. ولقد كان هذا اللغز عند بارمنيدس متعلقا أساسا بالعالم الطبيعي، أما عند أتباعه فقد امتد إلى المنطق بدوره، وبهذه الصورة الأخيرة تبحثه هذه المحاورة.
وقبل أن نعرض لهذه المشكلة التي تحتل الموقع الرئيسي في المحاورة، نود أن نضيف بضع ملاحظات عن طريقة القسمة، لا سيما وأنها هي طريقة التصنيف التي كانت مستخدمة في الأكاديمية، كما أن كتاب أرسطو عن تصنيف الحيوانات ينتمي إلى فترة وجوده في الأكاديمية. تقدم الطريقة إلينا تعريفا مفصلا للألفاظ يبدأ بالجنس، ثم يقسمه قسمين في كل مرحلة، عن طريق تقديم صفات «فاصلة» متبادلة. وتقدم محاورة السفسطائي مثلا أوليا لشرح الطريقة، على أساس أن اللفظ المراد تعريفه هو «صيد الأسماك بالخطاف» فأولا يلاحظ أن صيد الأسماك فن، ومن ثم فإن الجنس الأول هو «الفنون»، وهذه الأخيرة تنقسم إلى فنون للإنتاج وفنون للاقتناء، ومن الواضح أن صيد السمك ينتمي إلى الفئة الثانية، ثم يقسم الاقتناء إلى حالات تتم برضاء موضوعها، وحالات تقتنص فيها هذه الموضوعات، وهنا أيضا نجد صيد الأسماك ينتمي إلى الفئة الأخيرة. ويقسم الاقتناص إلى ظاهر ومخفي، وينتمي صيد الأسماك إلى النوع الأخير، وقد تكون الأشياء المقتنصة جمادات أو أحياء، والصيد يتعلق بالأحياء، وقد تعيش هذه الأحياء، أو الحيوانات على اليابس أو في سائل، وهنا أيضا نرى اللفظ المراد تعريفه منتميا إلى الفئة الثانية، وقد تكون الحيوانات التي تسكن السوائل طيورا أو أسماكا، وقد تمسك الأسماك بالشبكة أو بالطعن، وقد نقتنصها ليلا أو نهارا. وصيد الأسماك بالخطاف يتم نهارا، وقد تضرب من أعلى أو من أسفل، وهذا النوع من الصيد يحدث فيه الضرب من أسفل، وبعد أن نستعيد خطواتنا ونجمع كل الصفات «الفاصلة»، نعرف صيد الأسماك بالخطاف بأنه فن اقتناء عن طريق قنص مخفي، لحيوانات تعيش في الماء، مع صيدها نهارا، وطعنها من أسفل. على أننا ينبغي أن نأخذ المثل بجدية أكثر مما ينبغي، بل لقد اختير لأن من الممكن النظر إلى السفسطائي بدوره على أنه صياد من هذا النوع، يصطاد نفوس البشر. وتلي ذلك تعريفات متعددة للسفسطائي، ولكننا لا نحتاج إلى متابعة هذا الموضوع.
وبدلا من ذلك سننتقل في مناقشتنا إلى المشكلة الإيلية؛ فالصعوبة المتعلقة باللاوجود تنشأ لأن الفلاسفة لم يفهموا المقصود بالوجود فهما صحيحا، وهذا ما يبينه الغريب بمقدرة فائقة ، ولو عدنا إلى «تيتاتوس» لتذكرنا أن المعرفة أيا كانت شروطها الأخرى، تقتضي على الأقل تفاعلا، ومن ثم حركة، ولكنها تقتضي أيضا سكونا، وإلا لما كان هناك شيء نتكلم عنه، فلا بد أن تكون الأشياء ساكنة بمعنى ما حتى تكون موضوعا للبحث. وهذا يعطينا بادرة لمواجهة المشكلة؛ ذلك لأن الحركة والسكون موجودان معا بغير شك، ولكن لما كانا ضدين، فلا يمكن أن يجتمعا، والواقع أن هناك ثلاثة إمكانات لتجمعهما؛ فإما أن تظل الأشياء جميعا منفصلة انفصالا تاما، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تشارك الحركة والسكون في الوجود، وإما أن يكون من الممكن اندماج الأشياء جميعا، وفي هذه الحالة يمكن أن تجتمع الحركة والسكون، وهو ما لا يمكنهما تحقيقه، كما هو واضح. والبديل الباقي هو أن يكون من الممكن اتحاد بعض الأشياء ولا يكون من الممكن اتحاد البعض الآخر، ويكمن حل الصعوبات التي نواجهها في إدراك أن «الوجود واللاوجود» هما في ذاتهما تعبيران لا معنى لهما، بل يصبح لهما معنى فقط حين يدخلان في حكم. وهنا تصبح «الصور» أو الأنواع كالحركة والسكون والوجود، هي الصفات العامة التي سبق أن تحدث عنها «تيتاتوس»، ومن الواضح أنها تختلف كل الاختلاف عن الصور كما قال بها سقراط؛ فنظرية الصور الأفلاطونية هذه هي نقطة البدء التي أدى تطورها إلى ظهور نظرية المقولات.
अज्ञात पृष्ठ