اعلم أن كل سعادة يتبعها شقاء، وكل غنى يتلوه فقر، وكل صفاء له كدر، وأن للأيام دورات؛ فكم من رفيع خفضت ووضيع رفعت! وكم من صعلوك أسكنت قصرا! وكم كريم إذاقت بؤسا وفقرا.
إذا اتجرت فأوصيك باكتساب ثقة الناس؛ فإنهم خير نصير إذا كبا بك الزمان، وعاكستك صروف الحدثان. اعلم أن الذكر الرفيع أعظم قدرا في نظر العاقل من المال الكثير؛ لأن المال يجيء ليذهب، ولكن الشرف إذا حل ألقى رحله ولم يتحول.
إذا سألت فاسأل بالحسنى، وإذا سئلت فتلطف في الجواب.
إذا أسأت إلى امرأة في عرضها، ودعوتها إلى بذل ماء حيائها، وجلبت عليها عارا يخلق أديم وجهها؛ فكن بها رحيما، وأفض من نعمائك عليها بقدر ما أسأت إليها؛ فإن في ذلك إحسانا وعدلا وتكفيرا عن الذنوب.
اعلم يا ولدي أنك إذا أطعتني وعملت بما نصحت إليك فقد نهجت سبل الخير، ومن ينهجها لا يضم.
إذا أردت أن تقوم من اعوجاج أهلك ومن حولك؛ فلا تضن على الأحداث والجهلاء منهما بعلم، واضرب لهم الأمثال، وعلمهم الحكمة ليرجعوا في أمور معاشهم إليها، ولعلك مؤد تلك الأمانة إلى أهلها، وتارك وراءك أثرا يبقى في بلاد النيل إلى ما شاء الله؛ فيكون نبراسا يستنير به الشعب والملك؛ لأن في كلمي ما يستفيد به المسترشد فينال من الخير ما ينفعه، وقد نصحت بالرفق والكرم والقناعة؛ لعلمي بأن الحكمة أفرغت في هذه الفضائل الثلاث.
إن من يقرأ قولي سيرضى به وتروقه حكمتي؛ فتستنير بصيرته، وتحل عقدة لسانه، ويصفو ذهنه، ويقوى جنانه، فيهذب أولاده، ويورثهم الحكمة من بعده، وهم يورثونها أبناءهم.
اعلم أن لا شيء أحسن لدى الوالد من طاعة الولد البار الذي يعنى بقوله ونصحه، وإذا تكلم أحسن الكلام، وإن ألقي إليه القول أحسن الإصغاء؛ فإن الصغير إذا شب على الطاعة استطاع أن يأمر وينهى في شيبه كما كان يؤتمر وينتهي. إن الطاعة زارع يغرس المودة، وإكسير يجلي صدأ القلوب، ودواء ناجع يشفي داء البغض، وآلة تنال بها حكمة الشيوخ وحنكتهم، وهيهات أن يخلص لك النصح حكيم لا تطيعه.
إن الله يحب الطاعة ويأمر بها في الخير، ويبغضها وينهى عنها في الشر، ولا ريب في أن القلب هو الذي يأمر صاحبه بالطاعة أو ينهاه عنها؛ لأن حياة الرجل بحياة قلبه، فإذا كان طاهرا تقيا كانت حياته طيبة شريفة، وإذا كان القلب خبيثا دنيئا كانت حياة صاحبه كذلك.
إذا كنت في فتوتك مطيعا ووليت الرئاسة في رجولتك كنت رئيسا عادلا، وإن للعدل قوة تؤثر في النفوس الجامحة، وتستل منها سخائم العناد.
अज्ञात पृष्ठ