وتعيش هذه الحكاية الآن في مجموعات الحكايات الشعبية التي تحتوي على ما هو شفاهي منها، وما له مصادر أدبية، فلقد رواها شحاذ هندي، وأطفال إحدى قرى جزيرة سيلان، ودونت في كتاب «حكايات قرية سيلانية»، وقيل إن مؤثرات إيرانية تبدو فيها، ووجد ل «العصفور العاقل والرجل الغبي» سبعة أشكال في الفولكلور الألماني، وفي قاموس موتيفات الحكايات الشعبية وأنماطها لتومبسون، كما وجدت أشكال لها تحت اسم «التعاليم الثلاثة».
وعندما يستشهد بكل هذه المجموعة المتنوعة من هنا وهناك، يصبح الأمر عسيرا في تعقب الحكاية منذ مصدرها القديم الذي هو مولد البوذية، حتى أشكالها الحاضرة في مجموعات حكايات القرن العشرين الشعبية، وأقدم نص معروف دون باليونانية في بداية القرن السابع الميلادي، ويعتقد أن كاتبه هو
3 «جون الدمشقي»، ولقد وجدت هذه الحكاية متخللة جسد حكاية رومانسية هي «برلام ويوسف»، والنص في مصدره اليوناني يقرأ هكذا: «قصة شيقة ترجع إلى زمن المدينة المقدسة، من أقصى أراضي إثيوبيا التي تدعى الهند، وتحكي حياة برلام ويوسف الرجلين الشريفين الصالحين.» وهذه القصة الرومانسية الدينية تحكي عن ملك يحكم الهند، ويضطهد الرجال المخلصين ويعذبهم، وفي الترجمة المسيحية يظهر أن الشعب المضطهد هم المسيحيون، وعند مولد ابن الملك دعا الملك خمسة من حكمائه ليتنبئوا، فأفرح أربعة منهم قلب الملك بتنبؤاتهم عن الطفل، أما الخامس فقد تنبأ بأن الطفل سيكون مسيحيا (في التراجم المسيحية أن الطفل سيكون ناسكا دينيا)، وكانت النتيجة أن سجن الملك ابنه في قصر معزول. وتحكي القصة عن حياة الأمير ونموه داخل هذا القصر بمعزل عن كل العالم، وكانت أهم شخصية في حياته هي معلمه برلام، الذي أنفق من حياته ثلاثين سنة في التعبد في البرية، وبدأ برلام يعلمه أصول الدين والحكمة، وحكى له مرة عن الجهلة من عبدة الأوثان، قاصا عليه فيما مضى حكاية نصائح الطائر الثلاث، دون أن يكون للحكاية علاقة مباشرة بعبادة الأوثان، المهم أنه من خلال حكايات ونصائح وتعاليم الناسك الهندي برلام، وهب الأمير نفسه تماما لحياة التنسك متخليا عن قصره ومنبته الملكي. كما أن حكاية برلام ويوسف وجدت أيضا بكاملها في تعاليم بوذية ويعقوبية ومسيحية.
ولقد اعتقد «جون الدمشقي»
4
المصدر المدون للنصوص البرلامية المبكرة أنها ترجمات مسيحية لروحانيات رومانسية أكثر قدما، ألفها في الهند دعاة البوذية، أما الكاتب المفترض هنا فهو جون الدمشقي، وكان رجلا متعلما ليس فقط لمعرفته الواسعة باللغات وشئون الدين والفلسفة، ولكن أيضا بالنسبة للعلم، وتروي عنه حكايات كنتربري أنه كان دكتورا في الفيزياء.
والحكايات التي مصدرها الهند نقلها البوذيون إلى الصين والتبت وبقية الدول الشرقية، وأيضا إلى الغرب بعد رجوع الإسكندر من الهند، وخلال القرون أصبح لكتاب برلام شعبية واسعة في كلا الشرق والغرب، وترجم إلى الهندية والصينية والفارسية والعربية والعبرية وعديد من اللغات الشرقية، وصلت أكثر من 60 ترجمة، وفي كثير من الدول الأوروبية وخصوصا في القرون الوسطى، بدت ترجمات هذا الكتاب كما لو كانت تجري وقائعها في أوروبا ووجدت أصوله في عديد من المتاحف والمكتبات.
وتغيرت معالم الكتاب الهندي واختفت تماما مصادره البوذية إلى أن أعيد اكتشافه في القرن التاسع عشر، باكتشاف أن الأمير يوسف لم يكن سوى البوذا ذاته.
لكن خلال العصور لم يحاول أحد مشقة الوصول إلى من هو برلام ومن هو يوسف، وأين عاشا، واتخذت أسماؤهم صدى الأسماء العربية والعبرية، وربما كان موطنهما فلسطين أو الشرق الأدنى بشكل أعم، ووصل الأمر ببرلام ويوسف إلى حد أن اتخذهما الرومان الكاثوليك والكنيسة اليونانية كقديسين خلال أيام جريجوري الثالث عشر، وهكذا عوملا كقديسين واتخذا أماكنهما في «أجندة القديسين» للإخوة الدومينيكان في القرن الثالث عشر ، فاتسع انتشارها أكثر فأكثر، حتى وصلت إلى اللهجات الشعبية لكل الشعوب الأوروبية، ووصل بين سنتي 1475 حتى 1520 إلى تحقيق أقصى مدى ممكن من الانتشار حققه كتاب.
وفي العصور الوسطى استخدمت قصص هذا الكتاب الاستطرادية في كافة أغراض الخلق الأدبي في كتب القصص والأشعار والمسرح.
अज्ञात पृष्ठ