بل لعلها هي ذات قوة العمل الجماعي التي حفرت قناة السويس وبقية أعمال السخرة التي ما زالت ماثلة في الوجدان الشعبي الجماعي لمعدمي فلاحي مصر، بل هي ما تزال ماثلة في عمال التراحيل حتى أيامنا.
فمن المفجع أن البنية الطبقية للمجتمع المصري، بدءا منذ حضارات ما قبل التاريخ - الأسرات - في الفترات البربرية التي عثر على ملامحها ومخلفاتها في حضارات
16
أرمنت والبداري، والعمرية أو الإمارات،
17
وجزوه - ببني سويف - والسمانية، وهي ما تزال مخلفة مؤثراتها إلى اليوم بالنسبة للتركيبات الاجتماعية، وأحوال هؤلاء العمال السخرة الذين لم يكونوا - كما يذكر جوردون تشايلد - «اختصاصيين متفرغين يعملون بالأجر، أي يتعيشون كلية من فائض الإنتاج الاجتماعي المتمركز في يد الفرعون، فكانوا - في الأغلب - يأكلون ويلبسون على نفقة المستخدم مقاول الأنفار طيلة وجودهم الذي قد يمتد لسنوات.
أما الفرعون أو الملك فهو في كل الأحوال تجسيد للطوطم والآلهة، وبذا تحول العمل الاختياري في العشيرة البربرية إلى سخرة إجبارية من أجل الدولة المشخصة في فرد، أو الكل في واحد؛ مما دفع بالفرعون لأن يأخذ مكان الطوطم السلف المقدس أو الإله.
فلقد كان الفرعون بالطبع إلها منذ ما قبل التاريخ، ومنذ أول فراعين مصر «زير» و«زيت» في مقابر البداري منذ الأسرة صقر التي اكتشفها ديزير في أبيدوس، ومكانها اليوم العرابة المدفونة.
فلعل المكانة المتميزة إلى أقصى حد لفرعون ما قبل التاريخ، ووضعه المحاط بهالات التقديس والتابو فوق المجتمع المصري، لعب أخطر الأدوار على طول تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي إلى اليوم.
إنها بمثابة شعيرة واصلت سريانها تحت الجلد أو السطح لذلك السلف العشائري سليل الطوطم إلى أيامنا للدولة المشخصة في فرد، كما أنها تبدت - بوضوح كاف - في الفولكلور المصري بعامة، والحكايات الخرافية المصرية التي نحن بصددها في إطارها العربي القومي.
अज्ञात पृष्ठ