وتعرف هذه الخاصية المترددة بكثرة في خرافاتنا العربية - خاصة السحرية - بالسخط أو المساخيط، وهي مقدرة التحولات لشخوص الحكايات إلى حيوانات، وبالطبع فهي خاصية ليست بقاصرة على تراثنا الفولكلوري العربي، بل هي ملازمة للسحر كملمح عالمي، أو هو قاسم مشترك لموروثات العوالم القديمة في عمومها، أقدمها بالطبع الأنماط البردية المصرية.
وتتبدى هذه الجزئية أكثر استغراقا في القدرية في إحدى الحكايات السودانية من كردفان، حين يطلب الملك من أبنائه الثلاثة أن يغرز كل منهم رمحه أمام باب الفتاة التي يبغي الزواج بها، وهنا يلقي الابن الأصغر برمحه في الخلاء؛ لينغرز في جذع إحدى الأشجار التي تجلس على قمتها قردة، يعرف أنها قدره ونصيبه فيتزوجها، وليلة العرس تصبح فتاة جميلة جدا لدرجة أن الأب ذاته عشقها وقرر أن يقتل ابنه لكي يستحوذ عليها.
ولعلنا نتذكر حكاية «القرد الكاتب» في الليالي التي تزخر بهذه النماذج المتناسخة والمسحورة والمتحولة.
وتزخر الحكايات السورية واللبنانية والمصرية بهذه التحولات مثل: «الكلبان المسحوران»، والأسماك التي تتحول بمجرد اصطيادها إلى زوجات جميلات يحققن رغبات أزواجهن من الكادحين، ما بين صيادين، ورعاة بهائم، وأناس أو أبطال، لا تخبرنا حكاياتهم عن أعمالهم - ولنقل: أشغالهم وكارهم - لكنهم عادة ما يصمدون أمام محكات امتحان زوجاتهن من غير الإنس لهم.
أما الزوجات فكما هو متفق عليه يملكن قدرات على التحولات لعجائز وبنات بنوت وطيور وأسماك وحيات تسعى وجمادات أو أشياء.
وملاحظتي بعامة أنها في معظم حالاتها حكايات مسمومة من حيث غاياتها الوعظية الاجتماعية أو الطبقية، التي عادة ما تتفق عند مقولة: «إن من يشبع ينطح.»
1
ففي كل النصوص المصرية التي توصلت إلى جمعها، عادة ما يكون بطل الحكاية فقيرا معدما لا يمتلك أبعد من طاقة عمله «على دراعه»، وما إن يرمي بشبكته في البحر أو يضرب بفأسه وجه الأرض حتى يعثر في ثالث ضرباته على شيء ثقيل قد تكون سمكة أو قطعة خشب أو حجرا، وما إن يحملها مستاء ملقيا بها في منزله حتى تتبدى فتاة جميلة شهية تبدأ في مساومته، والاتفاق معه على الاقتران والزواج، أو العشق والمخاواة، مع ملاحظة أن هذا النمط وما يصاحبه من حكايات وخزعبلات - وهو مخاواة الإنسي البشري لجنية من تحت الأرض، خاصة بالنسبة للعزاب - هو نموذج شائع على طول ريف مصر حتى أيامنا هذه، وكذا معظم مجتمعاتنا العربية، ينتشر خاصة بين الدراويش ومجتمعات الفلاحين والرعاة والحرفيين ومعظم خدم المساجد والأضرحة، بل وحتى صغار الموظفين من مدرسين وكتبة.
وما إن يقترنا الإنسي والجنية - وكذا يتحول البطل من الفقر والعوز إلى الثراء والعز والرغد - حتى تبدأ هي - الجنية - تضع امتحانها العسير، الذي عادة ما يتعثر فيه البطل المتبدل
2
अज्ञात पृष्ठ