واحتفالات عيد قيامة الإله الممزق أوزيريس، وما يطابقه من آلهة الجوع والإخصاب على طول الشرق الأوسط: أدونيس تموز واتيس وديونسيوس زاجريوس» في جزر بحر إيجه، وديونسيوس عند الإغريق قائلا: «ويكاد يكون احتفال المصريين بعيد «ديونسيوس» - يعني أوزيريس - أن يشبه من جميع الوجوه احتفال اليونانيين به فيما عدا الرقص، وقد ابتكروا بدلا من المذاكير تماثيل، طول التمثال منها ذراع، يمكن تحريكها بواسطة خيط تطوف بها النساء القرى، وعضو التذكير بها متحرك ولا يقل كثيرا عن باقي الجسم، ويتقدم الموكب الزمار، تتبعه النساء اللاتي تتغنى بديونسيوس، أما عن السبب الذي من أجله كان عضو التذكير كبير الحجم، وكان يتحرك دون سائر أجزاء الجسم، فلذلك قصة مقدسة يروونها.»
ويصمت هيرودوت عن الخوض في سرد «القصة» التي هي وكما يقول عالمنا د. أحمد بدوي في شرحه وتعليقاته الموسوعية على كتاب هيرودوت: «إنها أسطورة إيزيس وأوزيريس، وتحريك العضو المذكور من التمثال دون سائر الأعضاء، فقد يكون المقصود منه الرمز إلى بعث «أزوريس» والعثور على العضو، ثم إلى عودة الحياة بين يدي النهر.»
وسلامة تفسير الدكتور أحمد بدوي صحيحة؛ لأن هيرودوت قدم إلى مصر في أيام الفيضان، ويؤيد فريزر هذا الرأي - في الجزء الرابع من المجلد الثاني في موسوعته الذهبية «الغصن الذهبي» البالغة أربعة عشر جزءا - بقوله في دراسته الرائدة عن الآلهة الفصلية، آلهة الزرع والاخضرار التي تموت وتصحو بجدب وقحط الماء والنبات، «والتي كانت منتشرة بكثرة في شرق البحر الأبيض المتوسط تحت اسم أوزيريس، تموز، أدونيس، واتيس وديونسيوس لشعوب مصر وغرب آسيا ».
وقبل أن نتوه في سرد تفاصيل هذه الجزئية عن هجرات التراث والأساطير، نعود إلى موضوعنا الأساسي وهو حادث عثوري - عرضا - على حدوتة شفاهية ذكرها هيرودوت بنصها في الفصل 121 من كتابه، ناسبا وقائعها إلى أحد ملوك مصر أسماه: «رامسينيوس»، يرجح د. أحمد بدوي أنه رمسيس الثالث 2100-1168ق.م، أول ملوك الأسرة العشرين، ويصف هيرودوت هذا الملك الذي هو موضوع الحكاية في بداية سرده لها بقوله:
وقالوا إن «رامبسينيتوس» قد امتلك من الفضة ثروة طائلة، لم يستطع ملك ممن خلفوه فيما بعد أن يقتني أكثر من هذه الثروة، أو أن يدانيه فيها.
ويعلق د. بدوي على هذا بقوله: «والشيء الذي لا شك فيه هو أن رمسيس الثالث كان ملكا غنيا واسع الغنى ... أعطى فأجزل عطاء لم نسمع بمثله في تاريخ الفراعين من أسلافه وخلفائه.»
وفي تقديري أن لشخصية ذلك الملك تأثيرا كبيرا لجانب من حواديتنا أو حكاياتنا الشعبية، ونظرا لأن هذه الحكاية التي قمت بتدوين نصها الشفاهي عام 1963، والتي دونها هيرودوت في القرن الخامس، على اعتبار أنها وقعت لذلك الملك - رمسيس الثالث - الذي حكم مصر لمدة 32 عاما في القرن الثاني عشر ق.م، يصبح عمر هذه الحدوتة حوالي 32 قرنا من الزمان. ونظرا لأنها حكاية يمكن تصنيفها تحت ما يعرف في الحكايات الشعبية باسم حكايات «المكارين» أو «الشطار»، وهي حكايات شائعة في فولكلور كل العالم، فكثيرا ما كانت تصادفني «موتيفاتها» أو بعض أفكارها الرئيسية التي تتصل بنمطها العام الثابت، مهاجرة تائهة من حكاية لأخرى في حواديتنا المصرية.
والحكاية المدونة عند هيرودوت يمكن تلخيصها في أن بناء خزنة الملك، التي «تمتد إحدى حوائطها إلى الجدار الخارجي من القصر»، صنع حيلة في بنائها، وأطلع ولديه عليها قبل أن يموت؛ «حرصا منه في أن يعيشا في رخاء»، وبعد أن مات وتناوب الولدان سرقتها، إلى أن اكتشف الملك النقص في خزائنه ونصب فخا أطبق على أحدهما مما اضطر الثاني لأن يقطع رأس أخيه؛ مخافة أن ينكشف أمره هو أيضا، ودخل بها على أمه يحمل رأس أخيه، وتتوالى الحكاية بعد ذلك لتكشف عن مكر ودهاء وألاعيب كل من الملك واللص، تنتهي بانتصار اللص على الملك، وإقرار الملك بذكائه وبراعته وكان أن زوجه ابنته.
أما حكايتنا الشفاهية فإنها تستبدل بالأخين اللصين ولد وخاله شقيق أمه، فبدلا من أن يقطع لص هيرودوت «الشاطر» رأس أخيه، يقطع «حرامي» - اليوم - النص الشفاهي رأس خاله.
فالاختلافات ضنينة بين النصين، وكان لا بد من حدوثها؛ نظرا لبعد الفاصل الزمني بين النص الشفاهي ومصدره المدون، بالإضافة إلى الزمن الذي وقعت فيه الحكاية، وهو ما يفصلها عن نص اليوم الشفاهي 3200 سنة كما ذكرنا.
अज्ञात पृष्ठ