ومات أبو شلضم، وأقيم سرادق العزاء كالعادة، ووقف قرمة فوق سطح غير بعيد وراح يغني:
حود من هنا
وتعال عندنا
ولما خطب شلضم بنت الفسخاني حاول قرمة خطفها منه، بالحيلة وبتسويء سمعته عند أهلها، وفي خلال ذلك تشاجرا بعنف، فقطع شلضم قطعة من أذن قرمة وترك به أثرا باقيا كالذي تركه بوجهه من قبل.
وتزوج كل منهما وأنجب، وتفرقت بهما سبل العمل، وتقدم بهما العمر شوطا، ولكن العقدة الكامنة لم تنحل، حتى إنهما تبادلا السباب مرة في أثناء صلاة الجمعة، وحتى صاح بهما الإمام: لعنة الله على الشيطان وصحبه.
وصارا في حارتنا نكتة، تستثير الضحك من بعيد، وتنذر بشر متجدد.
وتحسنت أحوال قرمة، ظهرت عليه النعمة، فتح دكانا للدخان بأنواعه، لمع الذهب في أصابعه وأسنانه، وادعى أمام الخلق أنه ربح ورقة نصيب فاستثمر ربحها، ولكن شلضم راح يحلف بالطلاق أنه اغتال أموال معلمه، وأنه لص لا أكثر ولا أقل.
وتوهم شلضم أنه قادر على أن يشق سبيله مثله، فامتدت يده إلى مال معلمه، ولكنه ضبط وحكم عليه بالسجن بضع سنين، وغادره مفلسا ضائعا يرى غريمه في عداد الأعيان فجن جنونه، ولم يجد بابا مفتوحا إلا باب البلطجة، فولجه بعنف ورغبة متصاعدة في الانتقام، وجعل هدفه الأول المعلم قرمة، حتى أثار مخاوف الرجل على نفسه وعلى أولاده، لم يعد قرمة صعلوكا كما كان من قبل، إنه يملك الآن مالا وبنين وأسرة وجاها ويريد أن يحافظ عليهما جميعا، وأن يتمسك بالحياة من خلال تمسكه بها، ولو تجشم في سبيل ذلك مهادنة شلضم وشراءه حتى يتحين له فرصة للقضاء عليه.
واستجاب شلضم لسياسة خصمه ليبتز ماله وليتمادى في ذلك بلا نهاية وبلا حياء، واستحر الموقف، وأصبحت الحياة لا تطاق ولا علاج لها إلا الموت.
ودبر قرمة خطة لقتل شلضم بوساطة رجل ممن يؤجرون للقتل، وتوجس شلضم خيفة فقرر أن يقتل قرمة قبل أن يقتله.
अज्ञात पृष्ठ