يتميز على صعاليك أسرته بالمسكن النظيف، والزوجة الجميلة، والغذاء الطيب، وله في مظهره هيبة، وفي مجلسه قطب يقصده ذوو الحاجات. •••
ويختفي ذات يوم غنام أبو رابية فلا تراه عين.
يتردد السؤال عنه في البيت والمقهى، بين المعارف والأقارب والحساد، لا يظفر أحد بجواب حاسم، ثمة غموض يكتنف الموضوع ويثير الحيرة والريب، ليس الرجل مريضا ولا على سفر ولا صلة له بالسياسة مدها وجزرها، ولا خصوم له على الإطلاق، فلم يبق إلا أن تحوم الظنون حول أمور غاية في الحساسية، وأن تختلف فيها الآراء تبعا للنوايا والعواطف الشخصية، فنسمع حينا أنه هرب، ونسمع حينا آخر أنه قتل.
ويظهر غنام أبو رابية ذات يوم فجأة، كما اختفى فجأة، ويتزاحم المهنئون في داره، ويفسر الرجل سر غيابه بخصام احتدم بينه وبين كبير مسئول في الداخلية، تطور إلى اعتداء من جانبه باليد على الكبير المسئول، فقبض عليه، ولكنه أصر على موقفه حتى أفرج عنه.
ويصدق الناس ذلك، ويعدونه بطولة، ويحال غنام أبو رابية على المعاش قبل ميعاده القانوني بعشرة أعوام، فيعتبر شهيدا، والناس ذوو استعداد فطري لسوء الظن بالداخلية. •••
ومع الأيام تناقل الناس حكاية جديدة عن غياب غنام أبو رابية، لا أدري كيف نشأت، ولا من كان أول ناشر لها، ولا مدى ما تنطوي عليه من صدق، ولكنها رغم ذلك كله تنتشر وترسخ وتنضم إلى تاريخ حارتنا.
يقال، والله أعلم، إن غنام أبو رابية استغل مركزه كمشرف مالي على الأموال السرية، فاختلس منها عشرة آلاف جنيه من الجنيهات، وقيل أكثر من ذلك، وأنه ضبط وحقق معه واعترف، كان الموقف غاية في الدقة والحرج، فالرجل محيط بأسماء من توزع عليهم الأموال السرية في جميع المواقع، وبوسعه أن يثير فضيحة شاملة تعصف بجميع العملاء وتنزع الثقة من جهاز الأمن بغير رجعة، فما العمل؟ طالبوه برد المبلغ في نظير العفو الشامل عنه، ولكنه رفض، ألقوا القبض عليه لإرهابه ولكنه لم يبال، لم يعثروا للمبلغ على أثر، وتجنبوا تقديمه للنيابة حتى لا يبوح هناك بأسراره، وكرروا المحاولة للاتفاق معه دون جدوى، أدرك منذ بادئ الأمر أنه في الموقع الأقوى وتلقى كافة التهديدات بسخرية، وقال لهم: ألوف وألوف وألوف تنفق كل يوم على أوغاد بلا خلق، فما الجريمة في أن أنال قروشا لنفسي وتراب حذائي أشرف من أكبر رأس فيهم؟ إني أرفض رد مليم واحد وأطالب بتقديمي للنيابة العمومية.
ولم يكن في وسعهم أن يعتقلوه إلى الأبد، ولا أن يتحملوا مسئولية القبض عليه دون تقديمه إلى النيابة أكثر من ذلك، فاتفقوا معه على أن يلتزم بصون أمانة المهنة لقاء ألا يسأل عما اختلس مع إحالته على المعاش في الوقت نفسه.
وقد اشترى الرجل خرابة وشيد فيها عمارة، واعتبر منذ ذلك الوقت من أعيان حارتنا.
الحكاية رقم «60»
अज्ञात पृष्ठ