हिकाया वा मा फिहा
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
शैलियों
الحواس جسور «الوصف: إشفاق على العابر؛ إنقاذ للزائل.» كأن الروائي التشيكي الكبير ميلان كونديرا في مقولته هذه يؤكد على ما يربط السرد بفنون بصرية أخرى؛ كالفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي، وكل طموح لتثبيت اللحظة العابرة ومد أجلها إلى ما لا نهاية .
وإذا كنا انطلقنا من فعل النظر وتحويله إلى فعل كتابة، يمكننا الآن توسيع مفهوم اختلاس الصور من العالم إلى سطور النص، بحيث نضم للبصر أشقاءه من حواس أخرى، هي الجسور الممتدة بيننا وبين كل ما يحيط بنا، وهي أيضا الجسور التي يمدها الكاتب ما بين قارئه والعالم الذي يسعى لتقديمه له، بكل ما يحتويه من صور وأصوات وروائح وطعوم وملامس وغير ذلك.
عبر تلك الجسور وحدها تستطيع أن تصحب قارئك إلى داخل عالم نصك، إلى درجة أن ينفصل تقريبا عن العالم المحيط به ليستغرق تماما في ذلك العالم المصنوع من كلمات. بهذا المعنى العام، يمكن أن يعتبر الوصف مفهوما متسعا شاملا، قد يحتوي اللعبة السردية بكاملها؛ أي كل ما ينقل مجريات الحكاية، أي كيف جرى ما جرى، لكنه كتقنية مفهوم أكثر تحديدا من ذلك، وهو كل ما ينقل خبرة حسية محددة من الواقع إلى اللغة، من قبيل: ما الذي يراه الراوي؟ ما الأصوات المحيطة بشخصياتك في مشهد ما؟ ما روائح مطبخ البيت الذي تدور فيه قصتك؟ كيف كان وهج الظهيرة في شارع عام عند وقوع حادثة، والإحساس بالقيظ؟
نقل تلك الخبرات الحسية له أهميته الخاصة في حد ذاته؛ للتأكيد على الإيهام بالواقع كما أشرنا، ولكنه يكتسب مزيدا من الأبعاد مع كل كاتب، وحسب كل نص وكل تجربة؛ فقد يعتمد أحد الكتاب على الوصف للإيحاء بخبايا وجدانية لدى شخصياته، أو لخلق جو عام محيط بها لتمتين الرسالة المقصودة، أو حتى لتحقيق تأثيرات جانبية في نفس القارئ، مثل أحاسيس الترقب والفزع والاضطراب وغيرها؛ أي إننا لا نصف لمجرد الوصف، ولا لأننا يجب أن نقدم للقارئ صورة واضحة للمحيط الذي تجري فيه قصتنا، على أهمية هذا الهدف، بقدر ما يمكن للوصف أن يلعب دورا جماليا مؤثرا بمقدار تأثير الموسيقى أو الفن التشكيلي، فقط إذا ما ربطناه بالمشاعر والأفكار والحالة الوجدانية لشخصياتنا.
كن وصافا
لهذا كله، فمن الضروري لكاتب القصة والرواية أن يحسن الوصف ويتدرب عليه بصورة مستمرة، حتى لو لم يكن ذلك في سياق كتابة نص محدد المعالم. لاحظ أننا لا نقصد بالوصف هنا استخدام الصفات (النعوت) عند كل مناسبة، فمن الكتاب من ينصح بالتقليل قدر الإمكان من الاستعانة بتلك الصفات الضحلة المباشرة من قبيل: امرأة جميلة، وفتاة ممشوقة القوام، ورجل عريض المنكبين، وتلك الكليشيهات الجاهزة. ومنهم أيضا من ينصح طلابه بمحاولة وصف شيء ما أو شخص ما دون استخدام صفة واحدة، ولا بأس في أن تحاول هذا التمرين على سبيل التجربة، لكن الأهم من ذلك أن تتدرب على الوصف عموما بصورة مستمرة، أو حتى لفترة من الوقت، بأن تخصص دفترا صغيرا لتدوين مشاهدات وانطباعات من حياتك، وتسجل فيه - كلما استطعت - رصدك لبعض الأماكن والشخصيات والكائنات والجمادات. ابدأ بما يثير فضولك وشغفك، وتوسع تدريجيا في اختياراتك؛ مهما بدا هذا التدريب غير ذي معنى لك الآن، فلن تعرف قيمته إلا حينما يتوجب عليك أن تلجأ إلى تقنية الوصف في سياق نصك الأدبي، وربما يكون ما عليك وصفه أبعد ما يكون عن خيالك.
صف وجوه وأجساد الناس في شارع مزدحم وقت الذروة، صف غرفة انتظار في عيادة، صف صالون الحلاق الخاص بك، صف غرفة فتاة قبل حفل زفافها بيوم واحد، صف مسرحا صغيرا في قصر ثقافة بعد يوم بروفات طويل، صف بائع فاكهة، صف قطة تلعق فراءها، صف ملعب كرة في مباراة نهائية. تذكر دائما ألا تعتمد على البعد البصري فقط، وشغل الحواس الأخرى قدر استطاعتك.
إياك والإسراف
على الرغم من أن بعض الكتاب قد يعتمدون تقنية الوصف كأساس لنص كامل، فإن هذا يحتاج إلى مهارة وحرفة لكيلا يفتقد عملهم التوتر اللازم، ويتحول إلى لوحة متجمدة أو صورة قلمية بلا حركة أو دراما؛ ذلك لأن مشكلة الوصف الأساسية أنه ساكن، ولا يدفع حكايتك إلى الأمام؛ لذلك ينصح كثيرون بأن يتسرب الوصف من بين سطورك في سياق الأحداث والحركة، دون أن تتوقف حكايتك من أجل سواد عيون الوصف. وهذا اقتراح وجيه، لكنه لا يلزمك بالمرة إذا استطعت أن تقدم للقارئ وصفا مشدود الوتر، ومكتوبا ببراعة، فلا يفلت منك الخيط.
في القصة القصيرة على وجه الخصوص، ونظرا لمساحتها المحدودة، يحسن بك ألا تفرد فقرات مطولة لوصف محيط الأحداث أو هيئة الشخصيات أو غير ذلك؛ دع القارئ يلم بذلك من خلال إشارات متناثرة وموزعة بذكاء على طول القصة، أو من خلال ضربات فرشاة سريعة وخاطفة، بحيث لا يكاد ينتبه إلى أن القصة توقفت لضرورة الوصف.
अज्ञात पृष्ठ