हिकाया वा मा फिहा

मुहम्मद अब्द नबी d. 1450 AH
68

हिकाया वा मा फिहा

الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)

शैलियों

إن إنتاج طعام طيب وشهي ومفيد لا يبتعد كثيرا عن إنتاج عمل فني طيب وشهي ومفيد، بالاعتماد على بعض مقادير طبيعية أو صناعية، على أدوات بدائية أو متطورة، وبالثقة في الوصفات المجربة أو في ضربات الحظ والمصادفات والتجريب من نقطة غير مسبوقة بالمرة.

لم يتوقف الأمر عند مجرد التشبيه؛ فبعض كبار الكتاب اشتهر بولعه بالطبخ وممارسته؛ منهم على سبيل المثال ألكسندر دوماس الأب، صاحب المسرحيات العديدة والروايات التي اشتهرت عالميا لسنوات مثل «الكونت دي مونت كريستو» و«الفرسان الثلاثة»؛ فقد كان ذواقة خبيرا بالأطعمة، وإن كان رضي بأن الناس قد تجد أخطاء في قصصه، فقد كان يفخر دائما بأنه أستاذ لا يبارى في فن الطهي. لا شك أننا لو بحثنا أعمق لوجدنا أمثلة أكثر على هذا الولع عند كتاب آخرين، وأذكر كتبا أدبية اعتمدت في بنائها وحبكتها على فعل الطهي؛ منها مثلا رواية «مثل الماء للشوكولاتة» للكاتبة المكسيكية لورا إسكيبل، التي تحولت إلى فيلم جميل، وترجمت إلى العربية بعنوان «الغليان»، وهناك - بالطبع - كتاب «أفروديت» للروائية التشيلية إيزابيل آلندي، التي ربطت بخيط حريري ما بين الطعام والحب.

لعبة الحظ والمقادير

في كتابه «العالم بحسب جارب»، كتب جون إيرفنج:

إذا كنت حريصا، وإذا استخدمت المقادير المناسبة، ولم تحاول اتخاذ أي طرق مختصرة نحو هدفك، فغالبا ما تستطيع أن تطبخ شيئا طيبا للغاية. أحيانا يكون الشيء القيم الوحيد الذي يتم إنقاذه من يومك هو ما تصنعه لتأكله، أما مع الكتابة فأرى أن بوسعك اختيار جميع المقادير المناسبة، وتمنح الأمر كل ما تستطيع من وقت وعناية، ومع ذلك لا تصل إلى شيء؛ هكذا هو الأمر مع الحب. ومع ذلك، يبقى الطهي قادرا على أن يحفظ العقل لكل من يحاول جاهدا.

ربما تتسم هذه الرؤية لإيرفنج ببعض الإحباط، غير أنها ما زالت تؤكد على ذلك الخيط الواصل ما بين فن الطهي والكتابة، ففي الحالتين يجد المبدع نفسه أمام خيارات لا نهاية لها، لكن ما يوجهه في لعبته هو هدفه الأساسي، ماذا يريد أن يبدع؟

ربما تشعر بالارتباك والضياع إذا ما أسعدك الحظ بدخول مطبخ واحد من كبار الطهاة، لكن المؤكد أنه لا يستخدم كل ذخيرته تلك كلما أراد أن يعد فطورا خفيفا أو يقلي بيضة على السريع. إنك لست مضطرا على الدوام إلى الاستعانة بجميع ترسانة الأدوات والتقنيات التي تقرأ عنها في لعبة السرد، عليك أن تختار بعناية وفقا لهدفك من الطبخة، فالكثير من الوصف - على سبيل المثال - قد يساوي الإفراط في التوابل التي قد تهدد المذاق الأصلي لنوع اللحم الذي تعده.

ثم هل تريد أن تعد وجبة خفيفة لشخص أو اثنين، أم وليمة عيد لعشرات الضيوف؟ هل تريد أن تقدم موقفا مكتنزا ومشحونا أم عالما فسيحا يرتحل بين الأزمنة والأمكنة والشخصيات؟ أجب عن أسئلتك تلك أولا لتعرف أي أدوات مطبخك أنت بحاجة إليها، وأي مقادير سيكون عليك الاستعانة بها، وبأي كميات، وموعد إضافة كل منها، ولاحظ أن المنتج النهائي لوجبتك لن يكون مجرد تجميع لتلك العناصر والتقنيات، بل هو شيء أكبر وألذ؛ حيث تختلط تلك النكهات والمذاقات في فم القارئ بحيث يكون من العسير عليه أن يفصل أيا منها عن الآخر.

كل مرة جديدة

كل من وقف في المطبخ لإعداد طعام ما يدرك أنه لا يستطيع - مهما حاول - أن يصل إلى الطعم نفسه مرتين، ففي كل مرة تهرب النكهة وتتجدد، مهما حرص على تكرار الوصفة ذاتها بحذافيرها. هكذا أيضا يعرف كل من جلس أمام الصفحات البيضاء للكتابة أنه - في حقيقة الأمر - لا توجد وصفة نهائية بالمرة؛ قد توجد نصائح، إرشادات على الطريق، شرح لكيفية استخدام أدوات المطبخ وأسرار الخضراوات والأعشاب، لكن معرفتك بذلك كله لا تضمن بالمرة تجنب المفاجآت، قد تكون مفاجأة سارة، حين تكتشف بالمصادفة عنصرا جديدا يمكن إضافته إلى الوصفة القديمة، أو حين تكتشف - إذا كنت سعيد الحظ وموهوبا حقا - وصفة جديدة من الألف إلى الياء. لذلك كله فإن سر الطبخة لا يوجد في كتاب أو في برامج الطهي، سيوجد فقط حين تبدأ العمل، سيوجد فقط حين تتدفق منك الكلمات على الورق، السر الحقيقي بداخلك أنت، وما عليك إلا اكتشافه بالممارسة والتجربة.

अज्ञात पृष्ठ