हिकाया वा मा फिहा
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
शैलियों
إذا كنت تميل إلى تفويت مقدمات الكتب، كما أفعل أنا أحيانا، فلا بأس من تفويت هذه المقدمة والقفز إلى أول الفصول مباشرة، أما إذا أصررت على قراءتها فأعدك ألا تكون مطولة دون داع، وأن تكون مجدية وذات مغزى. •••
ما دمت قد اقتنيت هذا الكتاب وشرعت في قراءته، فأغلب الظن أنك كاتب، كاتب بالفعل أو بالقوة، كاتب ينتظر اللحظة المناسبة أو يكافح لاكتساب وتمتين أدواته وتقنياته. هذا الكتاب موجه لك تماما، غير أنه لن يمنحك عصا سحرية ستجعل منك كاتبا مرموقا بمجرد الانتهاء منه، غاية ما هنالك أنه سوف يشجعك على ممارسة الكتابة بانتظام وفي إطار منهجي، وبالتدريج خطوة بعد أخرى.
أما وقد صرحنا بهذا فيمكنك أن تعيد هذا الكتاب إلى موضعه دون مزيد من المتاعب، إن لم تكن مستعدا بعد لرحلة الكتابة التي سيأخذك إليها. إذا كان الأمر هو العكس، فإني أدعوك لمواصلة القراءة ولو لصفحات قليلة، وأن تؤجل الحكم حتى ذلك الحين. •••
حتى لحظتنا هذه، لا تزال مسألة تعليم وتعلم الكتابة الإبداعية لا تجد ترحيبا كبيرا في الأوساط الأدبية بعالمنا العربي، لأسباب ودعاوى عديدة؛ منها مثلا أن الإبداع الأدبي لا بد أن يعتمد في الأساس على الموهبة الفطرية والسليقة، وأن ذلك النوع من الإرشاد والتوجيه قد يشوش - أو يشوه حتى - تجربة المبدع العفوية الحرة.
من يستطيع الادعاء أننا لسنا بحاجة إلى موهبة أو درجة من الاستعداد المبدئي لممارسة أي نوع من الفنون، أو حتى بعض المهن التي تحتاج إلى مهارات خاصة؟ غير أنه لا يوجد فن في غنى عن التدريب لممارسته ، من العزف الموسيقي إلى التمثيل، مرورا بالغناء والرقص، وهو ما يقره الجميع تقريبا، ولكن حين يتعلق الأمر بالكتابة، ستلاحظ الامتعاض والنفور إزاء مبدأ التدريب والتعلم، كأن الإنسان إما أنه يولد كاتبا كبيرا وإما أنه لن يستطيع أن يكتب سطرا جيدا أبدا، وهي أسطورة علينا هزيمتها بداخلنا الآن وفورا. •••
من بين الحجج الأخرى التي ترفض هذا التوجه، أنه قد ينتج أنماطا ثابتة ومعلبة من الكتابة الإبداعية، خاصة تلك التي يغلب عليها الطابع الاستهلاكي والتجاري؛ غير أن تعليم الكتابة الحقيقي لا يفرض على المتعلم أي شكل أو أسلوب لكتابته، بقدر ما يمنحه الأدوات اللازمة لاكتشاف صوته الخاص وتطوير أسلوبه وامتلاك التقنيات، بصرف النظر عما سينتجه بنفسه بعد امتلاكه أدواته؛ فقد يتخرج من ورشة النجارة نفسها متدربان، أحدهما يبقى طول مسيرته المهنية يكرر ما يراه ويطمئن لاحتياج الزبائن إليه، والآخر يستخدم نفس الأدوات ويتعلم نفس المبادئ، غير أنه يمضي لاختراع تحف لا نظير لها، بل يكتشف أيضا حيله وأساليبه الخاصة بعد فترة. •••
بفضل جهود أشخاص كثيرين واقتناعهم بما يفعلون، هدأت تلك الاعتراضات قليلا في السنوات الأخيرة، وتوالت دعوات تؤكد على أهمية نقل الخبرات الإبداعية وعقد ورش الكتابة وترجمة الكتب التي تتناول أسرار وتقنيات هذا النوع الأدبي أو ذاك.
كان من بين نتائج هذا التوجه الإقبال على قراءة نوعية خاصة من الكتابات البعيدة عن الأعمال النقدية الرصينة والغامضة على المبتدئين غالبا؛ تلك الكتابات التي تهدف إلى الأخذ بأيدي شباب الكتاب أو الراغبين في التطور من أصحاب التجارب.
لن يجد قارئ اللغة الإنجليزية - وكاتبها بالأصح - أي صعوبة في العثور على مئات العناوين في ذلك الاتجاه، وضعت لأغراض مختلفة في عملية تعليم آليات الكتابة، على مدى سنوات كثيرة، ومنها مؤلفات لأساطين عالم الأدب أو لمحترفي تعليم الكتابة، وإن لم تسطع نجومهم في عالم التأليف الأدبي ذاته.
ولسنوات عديدة بحثت وقرأت ودرست مثل تلك المصادر، في الكتب ومواقع الإنترنت، سواء أكانت مكتوبة بالعربية لكتاب عرب أم مترجمة أم باللغة الإنجليزية، وجزء كبير مما توشك على قراءته في هذا الكتاب هو ثمرة هذا البحث المطول بجانب الممارسة العملية في ورش الكتابة الأدبية، متدربا في البداية في ورش مختلفة، ثم مدربا في ورشة (الحكاية وما فيها) لدفعات متتالية، ولعل خبرة الممارسة - وما استقيته منها - كانت أهم وأعمق أثرا من عشرات الصفحات التي قرأتها. •••
अज्ञात पृष्ठ