فمما سكنت وخبرت وتخبرت من أرض العجم، العراق أقمت به سنين ببغداد والبصرة حينا وزمانا، ودخلت الأهواز ورأيت أهل كور كثيرة من أهل خراسان، وفهمت برؤيتهم والأخبار عنهم ما هم عليه أو أكثره في بلدانهم من الأخلاق والشأن، ودخلت بعض أرض السودان من البجة، وطرفا من مواضع الحبش.
وأما المغرب والبربر والتحرير([2]) والبحرين فإن أبي رحمه الله كان قد أقام بمواضع من أرض المغرب دهرا، وسار إلى أقصاها أشهرا.
(والشام) وغيرها من بلدان الإسلام، فقد بحثت عنها بحثا شافيا حتى كنت بالإستخبار عنها، وبالفتش والعناية وما كان لأبي عنها من الإختبار، فصرت عن معاينتها مستغنيا مكتفيا، ولو كانت الخبرة والعلم في الأمور والبلدان لا يكتفى فيها بصحيح الخبر والإستغناء في فهمها إلا بالعيان؛ لما فهم أحد ما لم يعاين، ولا كان له بغائب إيقان، ولكثرة الأمم وبلدان العرب والعجم عن أن تدرك بالعيان وتفهم، ولكن كل غائب يثبت عنه صحيح الخبر، فذلك يشفي فيه ويدرك به منه مثل ما يدرك بالمعاينة والنظر.
पृष्ठ 27