(مثل): رجل كان له ولد([4]) صغار جهال أغمار، يحتاجون إلى خبرة الأمور في الدين والدنيا كثيرة واختبارهم لذلك يسلب بينه وبينهم مسافة بعيدة مسيرتها ستون سنة، وكان أبوهم قد أخبرهم خبرها، ودخلها وعاين أكثرها فأخبرهم عنها، وهو والدهم الذي لا شك في نصحه لهم، وعطفه بالرأفة والرحمة والرقة عليهم، فرأى أن يفهمهم ما يحتاجون إلى فهمه، لما خشي أن لا يبلغوه ولا يحيطوا فيه بمثل اختباره وعلمه، فشرح خبر تلك البلاد لهم، وعلم أن ما أحاط هو به مما يحتاجون إليه ولا يستغنون عنه، لن يدركوه إلا في آخر أعمارهم التي شبهها بمسافة البلد.
والبلد فمثل الأمور التي لا يستغنون عن خبرتها ولا يستغني عنها أحد، لأني لم أفهم الأمور التي سأشرحها لكم إلا بعد طول التعمير، والمسافة إلى الإحاطة بالتجارب التي لم أدركها إلا بعد التمييز من الفهم والنظر ستين سنة أو نحوها.
فإنكم إن لم تكتفوا بما أخبرت وجربت وأردتم إختبار ذلك لأنفسكم، لم تفهموا منه بعض ما فهمت إلا بعد أن تعمروا شبيها مما عمرت عند إخلاق جدتكم إن الله عمركم وأخركم، وحينئذ لا يبقى إلا اليسير من أعماركم، فمن كان منكم عقله صحيحا، يثبت ما في الأصل فسيعلم إن شاء الله أني لم آله إلا رحمة له من الغلط نظرا ونصحا، بل لعلي أن أكون بسبقي لكم أقوى منكم فهما، وأحسن تفقدا للأمور وتفهما، والله أسأل أن يهبكم ألبابا وعقولا وعلما.
पृष्ठ 29