أهل الظلم ويقيم فيهم إلا الظالمون الفاجرون ، ولذلك يقول سبحانه : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) (33) [الأنفال : 33] ، يقول سبحانه : يعذبهم وهم يتوبون ويتورعون (1)؛ لأن الاستغفار ، هو التوبة من أهل الكفر والإقصار ، فلم يقم أحد من المرسلين ، بدار من دور الظالمين ، إلا مباينا داعيا ، ومنتظرا فيها (2) لأمر الله مراعيا.
ومن قبل ما حكم الله به من الهجرة على رسوله وعلى المؤمنين ، فقد حكم به على من مضى قبلهم من المرسلين ، ومن تبعهم فكان (3) معهم من عباده الصالحين ، فقال في نوح صلى الله عليه ، وما صيره سبحانه من الهجرة إليه : ( واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون (37) ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ) (38) [هود : 37 38] ، ثم أمره (4) سبحانه أن يحمده على إنجائه له (5) منهم ، وما حكم به عليه من البعد عنهم ، وكانت هجرته لهم قبل غرقهم على ظهر الماء ، وفي الفلك بين الأرض والسماء ، وقال صلى الله عليه : ( قال رب إن قومي كذبون (117) فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين ) (118) [الشعراء : 117 118] ، فقال سبحانه : ( فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون (119) ثم أغرقنا بعد الباقين ) (120) [الشعراء: 119 120] ، فأنجاه تبارك وتعالى منهم ، وغرقهم (6) بعد هجرته عليه السلام عنهم ، فهاجر صلى الله عليه أهل الكفر والفسق ، قبل ما أحله الله بهم من الهلكة والغرق ، تأدية لفرض الله عليه في الهجرة لهم ، وقد كان قادرا على أن ينجيه وإن أقام معهم ، ويغرقهم بجرمهم ، وبما ركبوا من
पृष्ठ 278