ظلت تلك الجملة تتردد في ذهني، منذ نطق بها الشرطي، يبدو أنني قد تنبهت للمفارقة بطريقة لاواعية، بينما تخطاها ذهني المرهق وقتها.
ما معنى هذا؟
يعني هذا أنه توفي، ثم قام شبحه بالاتصال بي بعد ساعة ونيف.
أو قد يعني - ببساطة - أن أقوال الشهود والتقرير الشرعي كاذبة!
لماذا يكذب الشهود؟! •••
قال الدكتور «أحمد الماحي»، وهو يرشف الشاي: «أعتقد أنك أصبت بالبارانويا أخيرا يا صديقي.»
قلت، وأنا أعبث في درج مكتبي بلا داع: «ما زلت أعتقد أنه ليس من عينة الأشخاص الانتحاريين.»
قال: «قلت إنه أحب هذه الفتاة، ما اسمها؟» - «هبة.» - «نعم. قلت إنه أحب «هبة» هذه جدا، يبدو هذا سببا قويا لانتحاره، لو أردت رأيي. تعرف الطريقة العاطفية الحمقاء التي يفكر بها هؤلاء العشاق، «لقد تزوجت حبيبتي فتبا لكم جميعا». كان لدينا مريض منذ فترة في قسم الكسور رمى بنفسه من أحد أعمدة الضغط العالي؛ لأن حبيبته لا ترد على اتصالاته.» - «يا إلهي. وهل هو بخير الآن؟» - «نعم، قمنا بتخريجه منذ بضعة أيام، لكننا أبلغنا الشرطة، وقام هؤلاء بفتح بلاغ جنائي ضده بتهمة الشروع في الانتحار. سيواجه أوقاتا عصيبة عندما يتسلى حضرة الصول بصفعه على سبيل الملل وتزجية الوقت، قبل أن يحيلوه للسجن العام. ستتبخر كل مشاعره المرهفة وسيلعن اليوم الذي عرفها فيه.»
كنا جالسين في عيادتي، وقد زارني زميلي الدكتور «أحمد» عندما علم بقدومي للمستشفى، جلسنا نرشف الشاي. وحكيت له - باختصار شديد - عن القصة، ونقلت له شكوكي الخاصة من قضية الانتحار.
قلت في شرود، وأنا أفتح الدرج وأعيد أغلاقه مرارا: «لكن ليس هذا الشخص. هذا شخص عرف أنه قد فقد عائلته وكامل عشيرته في لحظات، وبرغم هذا خرج من مكتبي بخطوات واثقة ووجه هادئ. لماذا يقتل نفسه بسبب زواج الفتاة؟ أعرف أنه أحبها جدا، لكن ليس لدرجة تخليه عن حياته.» - «ربما كان تأثير وفاة أهله عليه قويا، وإن لم يبد عليه ذلك، وكان زواج تلك الفتاة هي القشة الأخيرة التي جعلته يقرر الانفجار، أنت أعلم مني بهذه الأشياء، وتعرف تراكمات الضغوط النفسية على الشخص.»
अज्ञात पृष्ठ