هناك ذلك الرجل العصبي الذي أصر على عدم دفع الأجرة الجديدة، ثم شتمه وشتم السائق وشتم البلد وشتم الحكومة. «الحرامية أولاد الكلب، بتسرقونا عيني عينك كده؟!»
هكذا توسط العقلاء وأولاد الحلال لتهدئة الرجل، وقام أحدهم بتسوية الأزمة، ودفع المبلغ المتبقي عنه. ثم ابتدأت حلقة نقاش أخرى بين ركاب الحافلة، الذين راحوا يؤكدون أن الحكومة تسرق أموالهم بالفعل، ويتحسرون على ذلك الزمن الجميل الذي ولى، عندما لم تكن الحكومات تفعل ذلك.
انبري أحدهم، وقال في ذكاء يحسد عليه: «نهاجر الخليج نخليها ليهم.»
فهز الجميع الرءوس استحسانا، ثم تحول النقاش إلى مزايا ومساوئ العمل في دول الخليج. «عم عبد الله» (السائق) رجل كبير في السن، قضى نصف عمره في قيادة حافلات «الجلابة». فبعد أن أحيل للصالح العام بعد قدوم الحكومة الجديدة لم يجد لنفسه عملا يتقنه غير القيادة.
عمل في بعض الشركات الخاصة، وقاد شاحناتها لنقل البضائع عبر الولايات، وعمل في التهريب لفترة عبر حدود بلاد الأحباش، قبل أن يستقر في عمله في حافلات النقل العام.
وقد كون ثروة لا بأس بها طوال سنوات عمله العشرين؛ حتى يستطيع ترك شيء ما لزوجته وأبنائه بعد وفاته، وهو ما كان واردا حدوثه بشدة بعد قائمة الأمراض التي يجمعها في إصرار.
ابتداء بالسكري والضغط، وحتى مشاكل القلب وهشاشة العظام. ومؤخرا أخبره الطبيب بأنه مصاب بمرض نادر في الدم يسمى «فقر الدم الانحلالي المناعي الذاتي».
لم يفهم حرفا مما قيل، لكنه راح يحدث الجميع عن «فقر الدم الانحلالي المناعي الذاتي» الذي أصابه دون سائر خلق الله.
كان يؤمن بأنه كلما ازداد مرضه كان هذا دليلا على صلاحه وتقواه. - «المؤمن مبتلى» يقولها في خشوع، ثم يحمل المسبحة ويتمتم ببعض الأوراد.
بعد سنوات من العمل في المجال تعلم أنه حتى يستطيع الحفاظ على اتزانه النفسي في هذا العمل، فعليه أن يتحاشى المعارك الصغيرة، وأن يتجاهل تحرش الركاب الغاضبين به وبمساعده الشاب الصغير.
अज्ञात पृष्ठ