أتاه صوت والدته من داخل مطبخ المنزل: «أنا أعد الغداء، اخفض صوتك؛ إن أختك نائمة.»
راح يغير ملابسه، ويتأمل أخته الرضيعة في غيظ، منذ وفاة والده العام الماضي في أحد مستشفيات الخرطوم، وقدومها للدنيا، وهي تنال كل الاهتمام والدلال من والدته، وتعاملها كأنها معجزة صغيرة، ولا يدري لذلك سببا، فأقصى ما رآها تقوم به أنها تبكي وتتغوط، ورائحة مخلفاتها شنيعة تزكم أنفاسه، لقد اضطروا في أحد الأيام أن يشعلوا البخور في البيت؛ حتى تختفي الرائحة، لا يرى ذلك شيئا مميزا لهذه الدرجة، فكل ماشية عمدة القرية تتغوط بكفاءة عالية، وبرغم هذا لا أحد يدللها.
أخرج جهاز الكاسيت طراز «باناسونيك» العتيق من تحت السرير. هو يحب هذا الجهاز جدا؛ لأنه يذكره بوالده الذي كان لا يراه إلا نادرا عندما يأتي إليهم كل عام أو اثنين أياما معدودات، عندما كان متغربا في الخرطوم.
أصبح الكاسيت يلازمه طوال اليوم، ويقوم بتشغيله يوميا فور عودته من المدرسة، جلبه له والده قبل سنوات في إحدى إجازاته القصيرة من الخرطوم، وقد جلب له معه بعض شرائط الكاسيت؛ حتى يسمع القرآن الكريم وبعض خطب الدعوة الدينية.
هو يحب القرآن، وكان يسمعه مع والده عندما مرض مرضه الأخير، وكان ملازما للفراش يستمع للقرآن يوميا.
لكنه لا يحب الاستماع لخطب هؤلاء الدعاة الذين يصرخون في غضب دائما، ويتوعدونك بجهنم طوال الوقت.
كما لا يحب تلك الموسيقى التصويرية التي تعمل في خلفية صوت الخطيب، موسيقى مرعبة منذرة بالويل تشعره بقرب وقوع كارثة ما.
لقد سمع أحدهم في إحدى الخطب يقول: إن من لا يصلي فإن الله سيغضب منه يوم القيامة وسيعذبه في القبر، ويرسل له الثعبان الأقرع؛ ليكسر ضلوعه. ووالده لم يكن من المصلين.
لقد بكى في ذلك اليوم عند قبر والده، وهو يتخيل أن الثعابين تعتصر جسده الواهن، لكن أمه قالت له: إن النبي قد قال «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.»
ومنذ ذلك اليوم وهو يدعو لوالده عند كل صلاة؛ حتى يوسع الله له في قبره.
अज्ञात पृष्ठ