منذ كنت طفلا صغيرا وأنا أعشق الخريف.
حتى وأنا في هذه السن يا سيدتي، ما زال الخريف يهيج في داخلي كل المشاعر المتناقضة غير المفهومة، الشعور بالشوق لتلك المحبوبة الغامضة التي لا أعرف من هي.
الشعور بالحب، الحب الغامر المتدفق لكل شيء.
ما زال وجهي يكتسي بتلك الفرحة الطفولية عندما أرى حبيبات المطر تتساقط بصوتها الرتيب المميز بعد أن قطعت كل هذه المسافة من السماء لتسقط تحت قدمي أنا بالذات، وكأنها تنزل لتغسل روحي ذاتها.
الريح الباردة التي تلامس وجهك في رفق حاملة معها رائحة الطين الطازج وروث الماشية، رائحة الأشجار الندية وقد غسلت للتو، رائحة الحقول البعيدة.
الرائحة الرطبة المنعشة التي تتغلغل في أعماقك، وتشعرك مع كل شهيق بأنك حي، وأنك موجود.
وأنك تملأ المكان.
لكن هذا الإحساس سرعان ما يتلاشى عندما تقرر أن تخرج لقضاء حوائجك، وتكتشف أن عليك أن تكون راقص باليه محترفا، وأن تتقافز كالضفادع عبر البقع الجافة في الشوارع التي تحولت لبرك سباحة، لو كنت حسن الحظ فعلا، فلن تنزلق قدمك في هذا المستنقع.
إن بلادي يا سيدتي لا تحتمل الخريف ولا تطيقه بيوتها، إنه يثقل كاهل الفقراء ويركلهم في العراء يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء. سيقول لك المسئولون إنهم تفاجئوا بالخريف هذا العام لهذا لم يستعدوا للأمر جيدا، ربما العام القادم.
هم رجال عمليون جدا، كانوا يتوقعون إشعارا خطيا ممهورا بتوقيع الخريف بأنه على وشك الوصول، وأن عليهم أن يستعدوا، لكنه - كضيف قليل الذوق - يصر أن يأتي بدون سابق إنذار كل مرة.
अज्ञात पृष्ठ