وفي 18 من أبريل سنة 1879 ميلادية صدر الأمر العالي لشريف باشا بترتيب هيئة نظارة تحت رياسته تنتخب من الوطنيين، فرتبها، وعملت لائحة لسداد الدين عرفت باللائحة الوطنية، جعلت أكثره فائدة لأصحاب الدين استمالة لهم، فلم تنجح المقاصد، وكتب القناصل بذلك إلى دولهم، فلم يرتضوه، وانتهت الحال بسقوط تلك النظارة.
وفي 26 يونية سنة 1879 صدر الأمر السلطاني بانفصال الخديوي إسماعيل باشا عن سند الحكومة المصرية، وأن يتولاها أكبر أنجاله الفخام ولي عهد الحكومة المصرية يومئذ الخديوي المعظم المبجل أفندينا محمد باشا توفيق الأول، فأخذ رحمه الله بزمام الأحكام وقام بالأمر أتم القيام.
وفي سنة 1880 صدر أمره الكريم إلى سعادة دولتلو رياض باشا بتشكيل نظارة تحت رياسته مقلدا هو نظارة الداخلية، فكنت من رجال تلك الهيئة مقلدا بنظارة الأشغال العمومية، وكان إذ ذاك في الحكومة اثنان من طرفي دولتي فرنسا والإنجليز يراقبان أمور المالية، وهما موسيو (دوبلنيير الفرنسي) والمسيو (بارنج الإنجليزي)، فجعل لهما الحق في حضور جلسات هيئة النظارة، وشرعت النظارة في إدارة المصالح، وسن القوانين العادلة، وجعل الأموال الأميرية على أقساط مقررة، وأوسعت في معاش المستخدمين وفي عددهم بما يلائم كل مصلحة، واهتمت بكل ما فيه التقدم كأمر التربية ومصالح الأشغال حتى بلغت ميزانية ديوان المعارف ضعف ما كانت عليه، وبعد أن كان ديوان الأشغال قلما يضاف تارة إلى ديوان الداخلية وتارة إلى غيره، وكانت جميع الأعمال ما عدا المقايسات يجريها المفتشون والمديرون ونحوهم، فيعملون برجال العونة مباني وترعا ومساقي على أغراضهم الخاصة بلا فائدة عامة، حتى كثرت الخلجان وضاع بسببها مزارع كثيرة، وضاعت المصارف التي عليها مدار إصلاح الأرض، فبعد ذلك صار ديوانا مستقلا ملحوظا بعين العناية، وبلغت ميزانيته ستمائة ألف جنيه حيث إنه الأساس الأعظم للثروة.
فحينئذ تمكنت من إجراء ما يلزم إجراؤه لتحصيل المنافع العمومية، وقسمت أعمال الديوان ثلاثة أقسام، قسم للتحريرات والمحاسبة، وقسم لعمل التصميمات لما يلزم تجديده من الأعمال، ويتبعه فرقة مهندسين لعمل الرسومات والموازين، وقسم يختص بأعمال القاهرة ونحوها من مدن القطر، وذلك غير الملحقات مثل: قلم الزراعة، وقلم المصلح، ومصلحة الانجرارية، وقلم القضاء، وقسمت مصلحة الهندسة خمسة أقسام، لكل قسم مفتش، وجعلت جميع أعمال الهندسة تحت إدارة وكيل الديوان، وانتشر المهندسون في جميع أنحاء القطر لمعاينة ما به من مبان وترع وقناطر وغيرها، فحرروا الدفاتر بالموجود من ذلك وما يلزم تجديده أو رمه في كل مديرية، وأخذ الديوان في إجراء الأعمال مقدما الأهم فالمهم، ولموافقة حال المالية والأهالي قسمت الأعمال على عدة سنين، فحصل رم كثير من القناطر والبرابخ وتقويتها بوضع الدبش أمامها في الحفر التي يخلفها هدير الماء، وأحضرت الأخشاب اللازمة لتقفيل القناطر عند الاقتضاء، وجددت جملة من المباني والقناطر النافعة، منها بمديرية الشرقية قنطرة الزوامل على الترعة الإسماعيلية، وقنطرة الشرقاوية على النيل، والبولاقية، وقنطرة أشمون، وقنطرة كفر الحمام، وهويسات الإسماعيلية، ورصيف السويس، وبلغ مصرف ذلك نحو اثنين وثلاثين ألف جنيه، غير برابخ وقناطر أنشئ بعضها على ذمة الحكومة، وبعضها على ذمة المنتفعين.
وأجريت عمارات في المحافظات والمديريات صرف عليها نحو خمسين ألف جنيه، وصار الابتداء في بناء سلخانة القاهرة، واسبتالية قصر العيني، ومدرسة الطب، وصارت المعاقدة مع مصلحة توزيع المياه بالقاهرة على إنشاء وابور يوصل الماء إلى مدينة حلوان وكانت مفتقرة إلى ذلك، ونظمت الحمامات التي بها، ورتبت لها المهمات اللازمة، وجعل لها حكيم ومأمور، وزيد في القاهرة عدد فوانيس الغاز، وصار تنظيم بعض شوارعها وفرشها بالحصباء، وعملت عدة مجارير في الشوارع المهمة لأخذ مياه الأمطار، وأوصل الماء إلى طريق الجيزة والجزيرة للرش وسقي الأشجار، ونظم طريق شبرى وبني بآخرها رصيف طوله نحو مائتين وخمسين مترا، وجدد بالقاهرة ميادين ونافورات، وأنشئت جنينة الأنتيكخانة ببولاق، وبني بالإسكندرية سراي البوستة، وجعلت التصرف في أمر الري للمهندسين خاصة، فجعلوا لفتح القناطر وسدها أوقاتا بحسب الحاجة العمومية، ومنع ما كان يحصل من الفتح والسد على حسب الأغراض الخاصة.
ولم تزل الرغبة في تركيب الوابورات على البحار والترع آخذة في الزيادة، وكثرت الوابورات جدا حتى بلغ عدد المركب منها في الجهات البحرية ألفين وواحدا وثمانين وابورا قوتها أربعة وعشرون ألفا وخمسمائة وواحد وثمانون حصانا بخاريا، منها الثابت على النيل مائة وخمسة وأربعون في قوة أربعة آلاف وسبعمائة وواحد وثمانين حصانا، وعلى الخلجان مائتان وواحد في قوة ثلاثة آلاف وثمانمائة وتسعة وستين حصانا، وغير الثابت على النيل مائتان وستة وعشرون وابورا في قوة ألفين ومائتين وسبعة، وعلى الخلجان ألف وخمسمائة وابور وتسعة في قوة ثلاثة عشر ألفا وسبعمائة وثمانية وتسعين حصانا، ولم تنته الرغبة إلى هذا الحد، بل كثر طلب الرخص لتركيب وابورات مستجدة، وإلى غاية سنة 1880 لم يكن ثمة قانون لتركيب تلك الوابورات ترتب على كثرتها حرمان كثير من الأهالي من الانتفاع بمياه تلك الترع، لا سيما مع استحواز أصحاب النقود على ترع لوابوراتهم، إما لسقي زروعهم، أو لبيع الماء لزرع غيرهم، وكثر التشكي من ذلك، فجرى البحث في هذه المسألة لرفع تلك المظالم، وعملت لائحة بخصوص الآلات الرافعة للماء امتنع بها الضرر، وهي المستعملة إلى الآن، وبها انتظم أمر الري، وبلغ مقدار الماء بمديرية القليوبية في أعظم التحاريق نحو ثمانمائة ألف متر مكعب في اليوم والليلة، منها من الترع خاصة بعد توسعة الباسوسية ستمائة ألف متر، وفي مديرية الشرقية ثلاثة ملايين ونصف، وفي الدقهلية نحو أربعة ملايين، وفي الغربية والمنوفية نحو ثمانية ملايين، كل ذلك بعد تقفيل قناطر بحر الغرب، وتحويل الماء إلى بحر الشرق، وقد صار الاهتمام بتطهير الترع والخلجان بطريقة لا تمنع من سقي المزروعات بأن منع سد أفواه الترع عند التطهير، وجعل ابتداؤه من آخر كل ترعة بعد تقسيمها، وحول كثير من ترع الوجه البحري من نيلي إلى صيفي، فتمكنت بلادها من الزراعة الصيفية، وعملت في الأقاليم القبلية ترع وجسور لري الجزائر وأعالي الحيضان، وصار الاهتمام الزائد بأمر بلاد الفيوم، وكان أكثرها قد تعطلت زراعته لأن إحداث الجفلك هناك غير نظام الري القديم، وتبدل أكثر النصب القديمة المعدة لتقسيم الماء على البلاد، فأحييت النصب القديمة، وعدلت الترع والمساقي، ووجه إليها ما يلزم من ماء الإبراهيمية، فزرع هناك نحو خمسة عشر ألف فدان صيفية، وصارت أرضها رواتب، وقل بها استعمال السواقي، ولما كانت الإبراهيمية قد قطعت ترع بلاد المنيا وحرمت أراضيها من الطمي الذي عليه مدار الخصب، صار الاعتناء بهذه المسألة، واستعملت الإبراهيمية في ملء الحيضان وتكملتها مع ما يرد إليها من اليوسفي، فحييت أرضها وأخصبت، وزرع الأهالي بها نحو ثلاثة آلاف فدان من القصب الحلو بعد أن كان هذا الصنف والإبراهيمية مختصين بالدائرة السنية، وزادت زراعة الذرة أضعاف ما كانت عليه، وعملت في المديريات قناطر وبرابخ كثيرة ما بين تجديد ورم، وبلغت أعمال الحفر في تلك السنة ما بين تجديد وتطهير اثنين وثلاثين مليونا ونصف مليون متر مكعب في مائة وثلاثة وخمسين يوما، وخص الشخص في اليوم متر وتسعة أعشار متر، وهو أكبر مما كان يعمل في اليوم قبل ذلك بسبب أن الأعمال مشت على قانون منتظم، مع أن الأنفار الذين وزعوا على البلاد كانوا أقل من الموزع عليها في السابق بنحو عشرة آلاف نفس، وبلغ ما عمل في السنة نصف ما قرر عمله فيها مع كثرة ما قرر، بخلاف ما كان يعمل قبل فإنه كان لا يتجاوز خمسي ما كان يقرر عمله في السنة، وكان المؤمل زيادة انتظام العمل في المستقبل، ومما أوجب تخفيف العمل لائحة العونة التي ندب لها جملة من أعيان البلاد والحكام، وهي المتبعة إلى الآن، فمن مقتضاها جعل العونة على كل من له قدرة على العمل مع الترخيص في التخلص منها بدفع البدل، فتخلص من العمل ثمانية وخمسون ألف نفس، وتحصل منها في السنة نحو ستة وثلاثين ألف جنيه، وكان كل سنة يزيد، وتحسنت حالة الري، وكل ما يتحصل يصرف في أعمال لازمة، وكان تطهير رياح البحيرة سابقا يستعمل فيه نحو عشرين ألف نفس تجمع من سائر مديريات الوجه البحري لقلة أنفار مديرية البحيرة، ومع ما في ذلك من الظلم والإجحاف كان لا يتحصل منه إلا على ثمانمائة ألف متر مكعب من الماء في اليوم والليلة، وكان المتحصل من وابورات العطف مثل ذلك بنفقات باهظة، والمتحصل من الجهتين كان غير كاف لزرع نصف ما يلزم زرعه بهذه المديرية الواسعة، مع أن المنصرف على ذلك سنويا نحو اثنين وعشرين ألف جنيه، فلما رأينا ما عليه زراعة المديرية من الانحطاط والتأخر، قدمنا لمجلس النظار مشروعا عن تركيب وابورات بفم الخطاطبة، وتحسين وابورات المحمودية لتخليص المديرية من هذا الضرر، وإنه وجد لهذا المشروع من يجريه وهو الموسيو داستون المهندس وشركاؤه، فبعد المذاكرة صار قبول هذا المشروع، فصار التعاقد مع المهندس المذكور وشركائه على تجديد وابورات على فم ترعة الخطاطبة يتحصل منها يوميا مليون ونصف مليون متر مكعب من الماء، وأن يزاد على وابورات العطف ما يلزم زيادته وما يلزم استعداده من القديم للحصول على إيراد مليون ونصف آخر. وعملت الشروط اللازمة، ومن ضمنها إتمام العمل في سنة واحدة، وأن لا يزيد المنصرف في السنة عن أربعة وعشرين ألفا وسبعمائة وسبعة وثمانين جنيها، وقدر في العطف ثمن المليون بأربعة وعشرين جنيها، وفي ترعة الخطاطبة خمسة وعشرون ونصفا، فقامت تلك الشركة بذلك وبطلت السخرة وقل الاحتياج إلى التطهير، وكانت الحكومة سابقا تكلف أورطة عسكرية بإحضار الدبش اللازم للمحافظة على جسور النيل، فرأى ديوان الأشغال كثرة ما يصرف على ذلك فأبطل تلك الطريق، وجعل توريد الدبش الكافي في عهدة جماعة بشروط عقدها معهم، وعمل للتسليم والتسلم استمارة، وعين لهذه المصلحة مأمورين من المهندسين، فسارت سيرا حسنا، وبلغ مقدار ما أحضر إلى الجهات في سنة 80 مليونا وأربعمائة قنطار بمبلغ ثلاثمائة وخمسة عشر ألف قرش باعتبار ثمن القنطار تسعة أنصاف فضة، مع أن الذي استخرجته الأورطة وغيرها في سنة 79 كان مائة واثنين وخمسين ألفا وأربعمائة قنطار بمبلغ ثلاثمائة وأربعة وخمسين ألفا وثمانمائة وخمسة عشر قرشا، فانظر إلى الفرق البين، مع التسهيل على الناس، فضلا عن الحصول على دبش عظيم جيد، وهكذا كانت جميع الأعمال قائمة على قدم السداد.
وكانت هيئة النظارة سائرة في الطريق الجادة ناشرة ألوية العدل والتسوية بين القوي والضعيف والرفيع والوضيع، فاستوجب ذلك إثارة الحقد في صدور أرباب الأغراض، فتقولوا على هذه الهيئة، وطعنوا فيها، واختلط كثير منهم بضباط العسكرية، فأوغروا صدورهم، وألقوا في آذانهم أنهم الأحق بتعديل القوانين والتصرف في الحكومة، حيث إنهم أهل الوطن وأصحاب القوة، وحسنوا لهم ما صنع بعضهم من الثورة السابقة التي لم يعاقبوا عليها، فتعصبوا وتمكن منهم الغرور وكان رئيسهم أحمد عرابي أحد أمراء الآلايات وقتئذ، فاستمال سائرهم وعاقدهم على مضادة الحكومة، وتقدم من رؤسائهم لمجلس النظار عريضة يطلبون فيها تغيير ناظر الجهادية عثمان باشا رفقي وتشكيل مجلس نواب وغير ذلك مما يخرج عن حدود وظائفهم، فانعقد لذلك مجلس النظار تحت رئاسة المرحوم الخديوي توفيق، وانحط الرأي على عقد مجلس من الأهليين وبعض أمراء العسكرية للنظر في أمرهم والحكم فيهم بما تقتضيه قوانين الجهادية، وتعهد ناظر الجهادية بأن لا ينجم عن ذلك خطر ولا ضرر، فانعقد ذلك المجلس بقصر النيل وجلبوا إليه لمحاكمتهم، فقام جمع من الضباط والعساكر وهجموا على قصر النيل، وأهانوا من بالمجلس، وأخذوا العرابي ومن معه بالقوة على حسب عهد كان بينهم، فكان ذلك أول التظاهر بالعصيان والخروج عن طاعة الحكومة، وشاعت هذه النازلة حتى وصل خبرها إلى البلاد الأجنبية، فجمع الخديوي المرحوم توفيق النظار وأعيان الأمراء وتفاوضوا في إطفاء هذه الفتنة، فتقرر تغيير ناظر الجهادية وإجابة العسكر إلى مطلوبهم. والإغضاء عما حصل منهم لما تبين من عدم وجود قوة تحت يد الحكومة ترد جماحهم، فلم ينقطع الشر بذلك، بل تمادوا على العصيان، وحملهم الخوف على أنفسهم على شدة النفور وعدم قبول النصيحة، وطمعوا في أن يكونوا أصحاب الحل والعقد في الحكومة، وتأكد التحالف بينهم حتى بلغ بهم الأمر إلى أن هجموا على سراي عابدين ووجهوا إليها المدافع، وطلبوا سقوط هيئة النظارة وترتيب مجلس النواب وزيادة عدد الجند إلى ثمانية عشر ألف عسكري، فحضر القناصل وأوصلوا الأمر إلى دولهم بواسطة التلغراف، وبعد المخابرات أجيب العسكر إلى مطلوبهم، وغيرت هيئة النظارة، وصدر الأمر الخديوي إلى المرحوم شريف باشا بتشكيل هيئة تحت رئاسته، فشكلها، وعقد مجلس النواب؛ فشرع رجال المجلس في تقرير لائحته الأساسية، وبعد قليل طلبوا أن يكون لهم الحق في نظر ميزانية الحكومة بشرط عدم الخروج عن المعاهدات الدولية وقانون التصفية، فلم يجبهم المرحوم شريف باشا إلى ذلك، فأصروا على الطلب، وظاهرهم العسكر، فاستعفى المرحوم شريف باشا وتغيرت هيئة النظارة، وتشكلت هيئة جديدة تحت رئاسة محمود باشا البارودي، وجعل من رجالها أحمد عرابي علي الجهادية والبحرية، فلم تخمد بذلك نيران الفتن، بل اشتعلت وانضم إلى الطائفة العرابية الخوراج كثير من أهل البلاد وأعيانهم ما بين راغب وراهب.
وفي أثناء ذلك أتى إلى مينا الإسكندرية مراكب حربية إنجليزية وفرنسية وغيرها لتقرير الأمن وإطفاء الفتنة، وحضر إلى مصر درويش باشا مندوبا من طرف الدولة العلية لتسكين الفتنة، فلم تحصل النتيجة، وقام الخديوي إلى الإسكندرية ولحقه درويش باشا، وتدوولت المخاطبات بين الدول، وبينها وبين الباب العالي، وتقرر عقد لجنة بالأستانة العلية للنظر في هذه الحادثة.
وفي أثناء ذلك أطلقت على الإسكندرية المدافع من المراكب الإنجليزية، وقاومت العساكر المصرية سويعات ثم انهزموا، وخرجوا من الإسكندرية بعد إشعالهم النار فيها، وحثوا أهلها على الخروج فخرجوا هائمين على وجوههم كيوم المحشر، وتفرقوا في البلاد، وحصل لهم من السلب والنهب، وهتك الحريم ما يكل القلم عن حصره، ودخل الإنجليز الثغر، وتحصن العرابي ومن معه بقلاع عملوها من تراب بكفر الدوار، وسدوا المحمودية ليمنعوا وصول الماء إلى الإسكندرية، وكثر الممدون لهم بالأنفس والأموال ما بين راغب وراهب، وعم الخوف كل من لم يتشيع لهم، وامتلأت الطوبخانة ممن تظاهر بمخالفتهم.
وفي خلال تلك الأحوال كان قد تشكل بالقاهرة مجلس عرفي بأمر العرابي للنظر في المصالح، وكثيرا ما عقدوا مجالس للنظر في مسائل تعرض من طرف العرابي وحزبه، وفي آخر مرة عقد مجلس بديوان الداخلية بالقاهرة ندب إليه كثير من الأمراء والعلماء الروحانيين وأعيان البلد، وكنت قد حضرت من بلدي لقضاء بعض المصالح، فكنت ممن ندب إليه، فعينت سفيرا إلى الإسكندرية مع جماعة من الوطنيين، فلما وصلنا إلى الإسكندرية تكلمت في عمل طريقة لما يوجب خمود نيران هذه الفتنة، فأجاب الجناب الخديوي، وصارت المكالمة في هذا الشأن مع رؤساء الإنجليز، لكن لم ينجح ذلك لمزيد نفرة العسكرية، ولما خاف العرابي أن يتحول الإنجليز إلى جهة برزخ السويس، تحول بأكثر عسكره إلى التل الكبير بالشرقية، فتحصنوا هناك، ووقع بينهم وبين الإنجليز مناوشات انتهت بانهزام عرابي وقومه، وسار الإنجليز إلى القاهرة، وأسلم العرابي نفسه، وقبض على من كان معه ومن اتهم بالتشيع له، وسجن الجميع في أضيق السجون، وبعد أن حضر الخديوي إلى القاهرة وهدأت الأمور عينت لجنة للتحقيق وأخرى للحكم على كل بقدر جنايته، وتم الأمر بعقوبة البعض والعفو عن البعض وتبرئة البعض، ولله عاقبة الأمور.
अज्ञात पृष्ठ