ब्रिटेन में जीवन और बौद्धिक गतिविधि
الحياة والحركة الفكرية في بريطانيا
शैलियों
على أن متانة النظام الدستوري الإنجليزي تبدو بالأخص في التطبيق العملي، فأساس هذا النظام هو الرضا بحكم الأكثرية، واحترام الأقلية لهذا الحكم، واحترام الأكثرية في نفس الوقت لرأي الأقلية، وتمكينها من التمتع بكامل حريتها في إبداء رأيها وتأييده، ونقد الرأي المعارض ومناقشته، ويرى الإنجليز في ذلك أن واجب الأكثرية يقضي عليها أن تسعى إلى إقناع الأقلية لا إلى إرغامها على الخضوع والتسليم؛ ليكون الحكم في النهاية برضا الجميع؛ ولكي يتخذ التشريع في البلاد صفة قومية لا حزبية.
وهذا ركن أساسي في النظام الدستوري البريطاني.
وقد سارت الأحزاب التي تناوبت الحكم في بريطانيا طوال عهدها الدستوري على هذا المبدأ دائما.
وقد كانت هذه الأحزاب تتناوب الحكم في العهد الأخير بأكثريات عظيمة، تمكنها من أن تسير بالتشريع إلى تحقيق مبادئها الحزبية، ومع ذلك فلم يجرؤ حزب منها وهو في الحكم على أن يلغي ما سنه الحزب السابق من القوانين، ولا أن يسن قوانين حزبية أو لمصلحة فريق من الشعب دون الآخر.
وهذا يفسر لنا إحدى الفضائل البارزة التي امتاز بها الشعب الإنجليزي، وهي احترام القانون؛ فإن كل فرد يعتقد أن هذه القوانين لم تصدر لمصلحة طائفة أو حزب، وإنما شرعت برضا الجميع لمصلحة الجميع. •••
كذلك يمتاز الدستور الإنجليزي بميزة أساسية أخرى، هي احترام حرية الأفراد ، ومساواة الجميع أمام القانون، وعلى ذلك فجميع الحريات العامة مكفولة لجميع أفراد الشعب البريطاني بصورة عملية حقيقية: حرية الاعتقاد، وحرية الاجتماع، وحرية الرأي والكتابة، لا يحد منها شيء إلا ما نص عليه القانون العام لحفظ النظام أو حماية المجتمع.
وحرية الانتخابات في إنكلترا من أهم مظاهر الحريات العامة، ومن أهم أسباب نجاح الحكم الدستوري في إنكلترا، وربما كانت إنكلترا هي البلد الدستوري الوحيد الذي تجري فيه الانتخابات العامة بمنتهى الحرية بعيدة عن المؤثرات المختلفة التي تفسد جو الانتخابات في معظم البلاد الديمقراطية الأخرى.
فالحكم في إنكلترا يجري على مبدأ اللامركزية، ولا سلطان للحكومة على الانتخابات، فهي تجري في جميع المدن والأقاليم تحت إشراف السلطات البلدية أو الإقليمية المحلية التي لها حكومتها المستقلة وبوليسها الخاص، ولا يستطيع وزير الداخلية نظرا لسلطته المحدودة أن يتدخل - إذا أراد - في شئون الانتخابات أو يحاول التأثير فيها، وهذه الحرية التامة التي تجري في ظلها الانتخابات الإنجليزية هي في ذاتها ضمان لنجاح الحكم النيابي؛ وذلك لأن النواب لا يشعرون بأنهم مدينون بانتخابهم لغير الحزب الذي ساعد بهيبته ومبادئه في نجاحهم، ولا يدينون نحو الحكومة أو نحو أي هيئة أخرى بولاء خاص يفسد عليهم طريق التفكير، ومن جهة أخرى فإن الشعب يرى في النواب الذين انتخبوا على هذه الصورة ممثليه الحقيقيين الذين يجب أن يرتضي رأيهم، كما أنه يبقى مقتنعا بأنهم لا مصلحة لهم في عمل قوانين لا يرضاها أو ليست في مصلحته، ومن جهة أخرى فإن إجراء الانتخابات بحرية تامة يحول دون إثارة المنافسات الحزبية العنيفة، ودون الالتجاء إلى الوسائل غير المشروعة التي هي وليدة الضغط والتدخل غير المشروع.
وثمة عامل آخر كان له أثر كبير في نجاح الحكم الدستوري في إنكلترا هو أخلاق الشعب الإنجليزي وما يؤثر عنه من الهدوء والجمود والتواضع وحب الإنصاف، وإذا كانت الأمة الإنجليزية تتصف في مجموعها بصفة الكبرياء، فإن الأفراد يتصفون بالتواضع، والتواضع دعامة من دعائم النظام، ولم يشتهر الإنجليز عادة بذلك الذكاء الساطع الذي يبث في الأفراد أحيانا روح الغرور؛ ولذا يسود في جماعاتهم وأحزابهم حسن النظام والإخلاص للزعماء، واحترام الكفايات، وهي صفات تقل عادة في البلاد التي يسطع فيها الذكاء، فكل شخص يدفعه ذكاؤه الفطري إلى نوع من الاعتداد بالنفس يجعله يعتبر نفسه ندا لأي شخص مهما سما مركزه، وأن يدعي المقدرة قدرة زعمائه على فهم أي مشكلة؛ وبذلك تصبح أعوص المسائل السياسية عرضة للمناقشة في المقاهي والطرقات، وينعدم النظام في الجماعات السياسية، وقد أشار إلى هذه الظاهرة العلامة الدستوري «باجهوت»، فنوه بنجاح الحكم الدستوري في الأمم التي يقل فيها الذكاء الفطري، وقال السير ماريوت: «إن هناك ما يؤيد القول بأن النظم الديمقراطية قد صادفت في الشعوب ذات الأمزجة الباردة نجاحا أعظم مما صادفته في الشعوب التي تميل إلى المرح والطرب، ومهما يكن السبب في ذلك فالحقيقة الثابتة هي أن النظام البرلماني وما يقتضيه من وجود أحزاب منظمة قد صادف النجاح الأعظم في البلاد التي كانت مسقط رأسه.»
والواقع أن الحياة الحزبية في إنكلترا هي خير مظهر للديمقراطية الصحيحة، والأحزاب الإنجليزية بطبيعة تكوينها وطرق نشاطها من أهم عناصر نجاح الحكم النيابي في إنكلترا.
अज्ञात पृष्ठ