184

हयात शर्क़

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

शैलियों

ولكن اليابانيين كانوا أكيس من أن يصارحوا المسلمين المبشرين بهذه الحقائق، ولعل أحد هؤلاء الكونتات قال لواحد منهم: «أين كنتم قبل ذلك بأربعين أو خمسين عاما؟ إنا تيقظنا على صوت مدافع الأميرال بيري الأمريكي ولذا آمنا بالمدافع، ولو أنكم أيقظتمونا على صوت المؤذن لآمنا بكم وبمكة المكرمة.»

ثم إن المسلمين بالتركستان لجئوا في بلواهم إلى حكومة الصين واستنجدوها فوجدوا من سن يات سن صدرا رحبا، وقال في أحد كتبه إنه لا ينسى ما فعله المسلمون لإخوانهم البوذيين في سبيل الثورة ضد أسرة مندشو، ووعدهم بالحرية والمعونة. وفي الحقيقة إن الإسلام متغلغل في الصين، والمسلم الصيني أرقى من الصيني الوثني، ولهم غنى وثروة. وقد سلكت معهم حكومات الصين مسالك شتى، فكلما كانت للإسلام صولة في العالم عاملتهم حكومة الصين معاملة حسنة قريبة من العادلة، فإذا مال ميزان الإسلام في العالم أرهقتهم وعاملتهم بالقسوة.

فإن الصين بعد أن استولت على تركستان الشرقية ارتكبت أنواع المظالم لإيجاد النظام واستتباب السكينة في أنحاء البلاد، ودبرت شئونها في تلك البلاد بالسلطة المطلقة بواسطة حاكم عام عسكري مستبد يقيم في أوردمجي وهو مطلق التصرف في حكومة البلاد لا رقيب عليه ولا محاسب، ورجال الحكومة من البوذيين والأقلية مسلمة، ورجال الحكم كالذئاب الجائعة نحو الشعب المقيد كالغنم.

ولا تزال المحاكم تصدر أحكاما استبدادية كالتي كانت تصدر في القرون الوسطى من تعذيب وضرب بالسياط وضغط الأعضاء وقطعها وكيها بالزيت المغلي وكتم الأنفاس وقطع الرقاب بالسيف والشنق والسجن في سجون ضيقة مظلمة لا هواء فيها ولا ضياء! ويظهر أن حكومة الحزب الوطني الصيني تعلم كل ما يقع في تركستان الشرقية من الظلم على الرعايا المسلمين، ولكنها وجدت منفعتها في الاتفاق مع الحاكم المطلق وتركت له البلاد إقطاعا والتزاما مقابل مبلغ من المال وأغمضت عينها عنه.

وقد حكمت إحدى محاكم تركستان على السيد منصور خان بالضرب الشديد ألف ضربة والأشغال الشاقة خمسة أشهر، لأنه ألقى خطبة على جماعة من أهل وطنه.

ومن المصائب أن تلك البلاد لم تصدر فيها جريدة ولا كتاب ولم يطبع بها صحيفة منذ اختراع الطباعة في العالم، ولم تؤسس بها مدرسة نظامية ولا مصرف ولا مستشفى، وإذا ضبط أحد الشبان وهو يقرأ جريدة يلقى عليه القبض ويسجن، وإذا هاجر أحدهم إلى الشرق أو الغرب وتعلم ثم عاد إلى وطنه لا يمكنه الانتفاع بعلمه، وإن حاول الإصلاح يلقى به في غيابة السجن إن لم يشنق أو تزهق روحه بكتم أنفاسه كتما ماديا لا كتما معنويا.

وغاية الحاكم المطلق معلومة فهو يريد استبقاء ذلك الشعب في الجهل والعمى تخليدا لحكم الصين حتى تموت الأمة فلا تقوم لها قائمة.

ولما كان الحج من فرائض الدين الإسلامي فإن الحكومة تمنعه وتضيق على الراغبين فيه بكل الوسائل وتعوق الألوف من المستطيعين، ولم تسمح في سنة 1349 إلا بحج مائتين من عشرات الألوف التي رغبت فيه، وهذا رغبة منها في عدم اختلاط الحجيج التركستاني بأهالي البلاد الشرقية الأخرى من المسلمين الذين يقصدون الحجاز في كل عام.

لقد رأينا الاستعمار في الشرق يحاول كم أفواهنا بكل الوسائل، ورأيناهم يتفننون في القرنين التاسع عشر والعشرين في منعنا عن العلم والنور وهم هم المتحضرون المتمدنون الذين يدعون خلافة الله في ملكه وحمل مشاعل الإنسانية والوصاية على الأمم المستضعفة، وضججنا وصرخنا وهاجرنا وضقنا بهم ذرعا وحملنا فضائحهم إلى بلادهم في مؤتمرات عقدناها وصحف نشرناها وكتب ألفناها ووفود أوفدناها، فلم يجد شيء من ذلك نفعا!

ونحن على حافة أوروبا وفي سرة العالم المتمدن وليس بيننا وبين لندن وباريس وبرلين ونيويورك حجاب وما زلنا نصرخ ونستغيث، فما بالك بأمة شرقية مسلمة خيم عليها الجهل والظلم في أواسط آسيا، وسكانها ضعف سكان كل من سويسرا وهولندا وبلجيكا؟ أليس حظ هؤلاء الإخوان في الدين سيئا؟

अज्ञात पृष्ठ