हयात शर्क़
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
शैलियों
وحدث كذلك في الهند في سنة 1931، فإن الصلح الذي تم بين لورد إروين وبين غاندي كاد تنفصم عروته لتنفيذ الإنجليز عقوبة الإعدام في بهجت سنغ وآخر لثبوت تهمة قتل بعض ضباط الإنجليز عليهما، ولم يكن أحد في العالم يعرف مقدار بهجت سنغ في الهند حتى نفذ الحكم فيه فدوت التلغرافات بذكره وبوصف الهياج الذي حدث في الهند عقيب ذلك ونصوص الخطب العنيفة التي ألقيت ضد إروين وغاندي، وأنذر أحد الزعماء بأن جو التفاهم قد تعكر بين الهنود والإنجليز إلى الأبد ولن تعود المياه إلى مجاريها، وأقيمت مآتم وحفلات دينية وقومية في سائر أنحاء الهند تكريما لذكرى بهجت سنغ، ولكن الزوبعة مرت في النهاية.
وهذه المسألة تدل على أن الإنجليز يقدرون حياتهم حق قدرها ويجعلون لشخص البريطاني شأنا فوق كل شأن، وعندهم أن من اعتدى على إنجليزي من الشعوب المحكومة لا بد أن يعاقب بما يستحقه.
اجتماع ملكين
نرجع إلى ما كنا بصدده بخصوص العراق فنقول في الوقت الذي نفي فيه طالب النقيب من العراق عاد الأمير فيصل من إنجلترا ومر بمصر فأقام في القاهرة أياما ثم سافر إلى الحجاز، وكان وجوده في مصر جزءا من الخطة المرسومة ففيها أذيع أولا تفكير «العراق» في ترشيح الأمير لعرش بغداد، وكان الأمير إذا سئل في ذلك ارتسمت على فمه ابتسامة ذات معنى وأجاب أن بلوغه ذلك العرش يرجع إلى إرادة الله ومشيئة الشعب العراقي، وأن كلمة بريطانيا العظمى تقيدها، وكل هذا صحيح وكأنه كلام حكيم ماهر ينبئ بالمستقبل القريب. وكانت الخطوة الثانية انتقاله إلى الحجاز فوصل إلى وطنه وركب الهجين من جدة إلى مكة ليقدم بين يدي والده واجب الاحترام والطاعة البنوية، فنسي الولد غضب والده واستيقظت في صدر صاحب الجلالة الهاشمية عواطف الرحمة والحنان وأخذ بعض الأصدقاء والساسة العراقيين يطلبون بالبرق من الحسين أن يختار أحد أولاده لعرش العراق، ومن هؤلاء محمد مهدي صدر الدين وناجي السويدي والباجه جي وزين الدين. ومما هو جدير بالذكر أن كلا من جمعية العهد والحرس انضم في هذا الطلب، وقد وقع اختيار الحسين على نجله فيصل مع أن روح عبد الله كان معلقا بالعراق، وذلك في عهد الأحلام العذبة أحلام الدولة العربية العظمى واقتسام تراث الدولة العثمانية بين الملك حسين وأولاده الأربعة.
فغادر فيصل الحجاز محفوفا بوفد من أهل العراق كأنه عرس يزف إلى عروس فيؤنسه في طريقه لفيف من الأهل والخلان، فاختار تشرشل ذلك الوقت المناسب وألقى خطابا ذا شأن في البرلمان عن العراق ومستقبله، وهذا الخطاب خليط من الأسف على التفريط في الاستبداد بالعراق وحكمه حكما مطلقا بواسطة حاكم عام ، وتبرير لهذا التفريط بما سبق وقطعته إنجلترا للعرب من العهود والوعود، وفي الفقرة الأولى ترى روح تشرشل الاستعمارية ثم روح لورنس وتأثيره واعترافه باضطرار إنجلترا حيال ثورة 1920 إلى تنصيب حاكم عربي على البلاد. وأراد أن يطمئن قلوب الذين يظنون فيصلا كغيره من أمراء الشرق وحكامه الأتراك فقال: «من المحال السماح بعودة العراق أو أي قطر من الأقطار المحررة إلى سلطان الحكم السابق.»
وأراد تشرشل أن يرد على بعض ساسة العراق الذين كانوا يدعون إلى الحكم الجمهوري في العراق مثل المرحوم توفيق بك خال ناجي الأصيل، الذي لقي حتفه بصورة غامضة ولم يكشف القناع عن قاتله حتى هذه الساعة، وإن كان بعضهم يهمس باسمه أحيانا في أذن من يأتمنه، فقد كان توفيق بك المذكور يدعو إلى الحكم الجمهوري ويدعي بأن الملك فيصل وأعضاء البيت الشريفي غرباء عن العراق ولا حق لهم في الجلوس على عرش بغداد، وكان المرحوم من أهل الذكاء والفطنة وكاد يصل إلى تحقيق غايته لولا اغتياله الذي ما زال كما قلت سرا غامضا إلا عند القلة من الواقفين على دخائل الأمور. ولما كانت هذه الدعوة قد بلغت مسامع الإنجليز وكادوا يتأثرون بها فقد ذكرها تشرشل في خطابه السابق ذكره، حيث قال:
وليعلم كل واحد جليا أن درجة رقي العراق تجعله غير صالح لإنشاء جمهورية، كما أن حكومة جلالته لا يمكن أن تتساهل فتقبل حاكما تركيا.
ومن الغريب أنك ترى في خطبة تشرشل بغير مجهر جراثيم الحلف العربي الذي ظهرت الدعوة إليه في سنة 1931 قبل ذلك بعشر سنين، فقد قال:
إن اتباع سياسة شريفية في العراق وفي عبر الأردن يؤثر حتما في علاقاتنا بأمراء العرب الآخرين، وكل مساعدة ودية نسديها لبعضهم تحتم عليهم مسالمة جيرانهم.
ونذكر في هذا الصدد أن جلالة الملك حسين قد أفصح مؤخرا عن رغبته في فتح باب المفاوضة مع ابن سعود، فنرجو أنهما يتوصلان بذلك إلى اتفاق دائم بينهما، ولا مشاحة إننا نرغب في توطيد عرى الصداقة مع كلا الزعيمين.
अज्ञात पृष्ठ