हयात शर्क़
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
शैलियों
ولعله ذاهب لينقل أخبار الرجل إلى أعدائه، أو ليحاول بلف «الزيود» كعادته في بلاد الشرق والإسلام. ولكن أهل اليمن أحرص وأعقل من أن يدخل مثل هذا المهرج المهوش في «زوارقهم» وهم الذين لم تنطل عليهم حيل الإنجليز والروس والطليان. وإذا كان أهل الهند المسلمون لم ينخدعوا بهذا الرجل بعد ظهور حقيقة أمره وبرأوا إلى شعوب الأرض منه في جرائدهم وصحفهم وعلى منابرهم وأعلنوا أنهم كانوا يطلقون عليه لقب أسد الإسلام، ولكنهم نزعوا عنه هذه الصفة وخلعوه بعد أن رأوا ما رأوا.
وحقيقة الأمر تلخص في كلمتين وهما أن محمد علي كان هو الرجل الصحيح العقل والقلب السليم التفكير الصادق النظر، وأنه كان الروح المحرك وكان شوكت علي بمثابة الشبح له فمات الروح وبقي الجسم أو الشبح، والأشباح عادة تكون دميمة ومزعجة، والموت نقاد على كفه وقد اختار الأفضل وترك الجعجاع والدوشن فلا حول ولا قوة إلا بالله! ولا يجوز لنا أن نسيء الظن بمسلمي الهند لأجل شوكت علي أو عشرة من السخفاء أمثاله.
الفصل التاسع عشر
أسباب الانشقاق بين الترك والعرب
الشقاق المهول بين الترك والعرب
لا يزال البحث دائرا بين لفيف من العلماء على أسباب الانشقاق الهائل بين الترك والعرب، وهو الانشقاق الذي أدى إلى زوال ملكهما معا، ومكن منهما أعداءهما حتى قضيا على البقية الباقية من دول الإسلام.
وقد رأيت وجهة النظر التركية منصبة على تخطئة العرب، وكل ما قالوه في هذا الباب صحيح، وأيدته الحوادث التاريخية المصاحبة للثورة العربية واللاحقة للحرب العظمى وافتراس الحلفاء للدولة العثمانية، وقد ندم العرب أنفسهم ولكن لا نفع في ندم بعد فوات الفرصة، وفاز من أمراء العرب من فاز بالعروش والمناصب وضحى بأمم بأسرها.
أما وجهة نظر العرب المنصفين في قضية الترك فهي أن الحركة التورانية كانت سبب البلاء، وأصلها أنه بعد الدستور العثماني ظهر في القسطنطينية أحمد أغاييف التركستاني (وهو الآن يعيش في موسكو) ومعه لفيف من أبناء وطنه في أواسط آسيا مثل تركستان الغربية وغيرها، وكانت تحت حكم الروس ولا تزال، وربما كان معه حميد الله صبحي، وكانوا يعيشون في الأستانة قبل إعلان الدستور ولكن في الخفاء، أو أن استبداد عبد الحميد لم يسمح لهم بإظهار ما تكنه نفوسهم، فلما أعلن الدستور تشجعوا واتصلوا بالاتحاديين جهرا وأقنعوا زعماءهم أمثال المرحومين محمد طلعت وأحمد جمال ودكتور ناظم ووهيب باشا وآخرين بأن في آسيا شعبا يتجاوز عدده أربعين مليونا يمتون كلهم إلى الأتراك بأواصر القرابة والجنس والدين واللغة، وتربطهم بالترك رابطتا التاريخ والماضي، وأن هذا الشعب متعطش إلى الانضمام إلى تركيا التي يجب أن يكون مستقبلها في آسيا بعد الذي رأته من تنمر أوروبا وتألبها وتهجمها على أملاكها، ولا سيما بعد ظهور الدستور فإن تعميمه في تلك البلاد الشرقية الإسلامية كفيل بأن يخلق في وسط آسيا دولة إسلامية من أقوى دول العالم، لا تقل بأسا عن اليابان في الشرق الأقصى. ويظهر أن أغاييف ومن معه كانوا مطلعين على فتنة العرب وما يبطنه بعض هؤلاء للترك، لا سيما وأن ثورة اليمن كانت لا تزال مشتعلة وإن كان قد مضى على قدح زنادها ثلاث سنين. فلقيت هذه الدعوة ارتياحا في نفوس الاتحاديين وقبلوها وخلقت في أذهانهم سرابا جميلا وحلما لذيذا لو تحقق كان بمثابة تجديد للدولة العثمانية في صورتها الأولى، ولا سيما أن العالم كان قد تخلص نوعا من رابطة الدين وأخذ يسير حثيثا في طريق الجنسيات. وإن الحق يقضي علينا بالقول بأن أنور باشا - رحمه الله - لم تكن له يد في هذه الحركة ولم يمل إليها، لأنه وبعض إخوانه كانوا يفضلون الرابطة الإسلامية ويرون إنعاش الإسلام وإحياءه، بغض الطرف عن الجنس والقومية. وكان أنور ومن على شاكلته من أبطال الإسلام وحماته يعرضون على اختلاف أقطارهم عن اعتبار الجنسيات ويرفضون أي نوع من أنواع العصبيات ما عدا عصبيتهم الإسلامية، لأن المتدين بالدين الإسلامي متى رسخ فيه اعتقاده يلهو به عن جنسه وشعبه، وهذه كانت معقولية أنور في سنة 1908، ولكن سير الحوادث كان أقوى من العقائد. وقد لقي أنور - رحمه الله - حتفه وهو يقاتل مستبسلا في بلاد تركستان (أغسطس سنة 1922)، فاستشهد في سبيل الفكرة التي لم يوافق عليها قبل ذلك بأربع سنين كما سيأتي الكلام على ذلك في موضعه.
ويظهر أن أحمد أغاييف كان على نصيب من علم تاريخ الشعوب وأصول الأجناس البشرية، فأدخل في روع الاتحاديين أن الشعوب (الأورالوالطايك) أو الجنس الطوراني لا يشتمل على الترك العثمانيين في أوروبا والأناضول، بل إنه يشتمل أيضا على التركمان والتتر والقوقاس، وتطرف بعضهم فصار ينادي بأن المجر والفنلنديين وولايات البلطيك والبلغار وأهل سيبريا والموغول والمنشوس كلهم أقارب وإخوان أو أبناء عمومة، وأنهم أقرب إلى الترك القائمين بأمر الدولة من العرب الذين يشقون عليها عصا الطاعة ويخلقون القلاقل والفتن.
على أن التحقيق العلمي لم يكن له مجال أبعد من هذا، وكان يكفي التلويح بهذا الخاطر ليعتقد الأتراك بأن ما بينهم وبين الشعوب الآنفة الذكر من النسابة اللغوية والخلقية الغريزية وما هي عليه من التقاليد التاريخية الجمة الحية؛ كاف لأن يحملها على الاعتقاد بأنها متحدرة من أصل واحد.
अज्ञात पृष्ठ