قادنا الزنوج في الغناء، جميعهم إلا الرجل ضئيل الحجم الذي أخذ يلوح بيديه طالبا من الجمهور أن يرفع صوته، وأخذ الناس يتمايلون وهم يغنون معا. انتشرت رائحة عرق نفاذة كرائحة البصل، كرائحة الخيول، كرائحة روث الخنازير، وشعرت أنا بأنني محاصرة مقيدة وكأن ثمة ما يحملني بعيدا، وكأن السعادة المرهقة الحزينة تصعد حولي مثل سحابة. كنت قد رفضت أن آخذ الورقة المكتوب عليها الترانيم التي قدمها إلي السيد بيوكانن وآخرون من رجال الكنيسة لكنني كنت أذكر الكلمات فغنيت معهم. وكنت وقتها أستطيع غناء أي شيء.
لكن عندما انتهت الترنيمة، ترك يدي وابتعد وانضم إلى مجموعة من الناس المتجهين إلى مقدمة القاعة، استجابة لدعوة باتخاذ قرار من أجل يسوع، أن يوقع على عهد أو على تجديد عهد، ليضفي طابع الإنجاز على تلك الأمسية. لم يخطر ببالي أنه أراد أن يفعل هذا، ظننت أنه ذهب ليبحث عن شخص ما. حدث ارتباك كبير في القاعة وفقدته في لحظة، فاستدرت وتلمست طريقي إلى خارج القاعة ونزلت السلالم وتلفت حولي أكثر من مرة باحثة عنه (لكني كنت مستعدة لأتظاهر بأنني كنت أبحث عن شخص آخر إذا ما رأيته ينظر إلي). تلكأت في المشي في الشارع الرئيسي وأنا أنظر إلى النوافذ، ولكنه لم يأت.
كان هذا مساء يوم الجمعة. ظللت أفكر به طوال عطلة نهاية الأسبوع ، وظلت صورته خلفية ثابتة في ذهني لكل ما أضطر للتفكير فيه. كنت دائما أحاول تحرير ذهني منه، لكن أجد ذهني ينزلق إلى التفكير فيه مرة أخرى، حاولت أن أستعيد إحساسي بلمسة يده على يدي، وأحاول أن أتذكر بدقة ضغط أصابعه المتفاوت. فكنت أفرد يدي أمامي مندهشة أنها لم تكن تخبرني سوى بالقليل مما أردت أن أعرفه. لم تكن تشي بالكثير، بالضبط مثل تلك الأشياء الموجودة في المتاحف التي كانت تخص الملوك. وكنت أحلل تلك الرائحة التي شممتها هناك، وأفرز عناصرها المألوفة وغير المألوفة، وكنت أتصوره كما رأيته لأول مرة عبر القاعة؛ لأنني لم أنظر إليه قط عندما جاء ليقف بجانبي؛ فتذكرت وجهه الأسمر الحذر العنيد. بدا لي وجهه يحمل كل احتمالات الضراوة والعذوبة، الكبرياء والخضوع، العنف وضبط النفس. لم أر فيه قط أكثر مما رأيت في المرة الأولى؛ لأنني وقتها رأيت كل شيء، رأيت كل شيء سأذوب فيه حبا ولكني لا أستطيع أن أحكم قبضتي عليه أو أفسره.
لم أعرف اسمه، أو من أين أتى، أو ما إذا كنت سأراه مرة أخرى.
في يوم الإثنين، بينما كنت أهبط هضبة شارع جون بعد المدرسة مع جيري، انطلق نحونا نفير شاحنة قديمة مغبرة محملة بالقش وأطل منها ذلك الوجه، وجهه، لم يتغير وجهه أو يتقلص في ضوء النهار.
قلت لجيري: «الموسوعات! لأمي عنده بعض النقود، علي أن أتكلم معه، اذهب أنت في طريقك.»
شعرت بالدوار بهذا الظهور المتوقع الذي لم أرجه، إنه كتجسد الخيال في عالم الواقع، ركبت الشاحنة معه. «ظننت أنك لا تزالين في المدرسة.»
أجبت بسرعة: «كدت أنتهي من الدراسة، فأنا في الصف الثالث عشر.» «سررت لمقابلتك، فعلي أن أرجع إلى مخزن الأخشاب، لماذا لم تنتظريني في تلك الليلة؟»
قلت كما لو كنت لم أره: «أين ذهبت؟» «اضطررت لأن أذهب إلى مقدمة القاعة، كان هناك حشد كبير من الناس هناك.»
أدركت أن عبارة «اضطررت لأن أذهب إلى مقدمة القاعة» تعني أنه ذهب ليوقع بطاقة العهد أو لأن يمنحه واعظ النهضة الدينية الخلاص. وقد كان هذا هو أسلوبه أنه لا يقول شيئا محددا أبدا؛ فهو لا يفسر شيئا إلا إذا اضطر لهذا. ما انتزعته منه من معلومات عن نفسه - خلال ركوبي الشاحنة في عصر ذلك اليوم وبعده - لم يكن إلا سلسلة من الحقائق البسيطة التي يقدمها ردا على أسئلتي. كان اسمه جارنيت فرينش وكان يعيش في مزرعة بعد وادي جيريكو، لكنه كان يعمل هنا في جوبيلي في مخزن الأخشاب. قبل عامين، كان قد أمضى أربعة أشهر في السجن لاشتراكه في شجار مريع خارج حانة بورترفيلد فقد فيه رجل إحدى عينيه. وفي السجن، زاره قس معمداني وساعدة على التوبة والعودة إلى الرب. كان قد ترك المدرسة بعد الصف الثامن لكن سمح له بأن يدرس بعض مواد المدرسة الثانوية في السجن؛ لأنه فكر أن يلتحق بكلية لاهوت ويصير قسا معمدانيا. كان يتحدث عن هدفه هذا دون أن يشعر بحاجة ملحة إليه الآن، وكان في الثالثة والعشرين من عمره.
अज्ञात पृष्ठ