كان العم بيني يجلس على مقعده المفضل خلف باب مطبخنا مباشرة - وكان يجلس كما لو كان لا وقت لديه للجلوس أو لا يرغب في إزعاج أحد، ويرحل في أسرع وقت - وكان دائما في جعبته أخبار عن مغامرة تجارية، وهي دائما مغامرة غير عادية، يكسب منها أشخاص لا يسكنون بعيدا - في جنوب المقاطعة أو في بلدة جرانتلي القريبة - مبالغ خرافية؛ فكانوا مثلا يربون أرانب الشانشيلا، أو الببغاء الأسترالي، ويكسبون عشرة آلاف دولار في العام دون بذل أي مجهود تقريبا. ولعل السبب الذي جعله يستمر في العمل لدى والدي، مع أنه لم يستمر بانتظام في أي عمل آخر، هو أن والدي كان يربي الثعالب الفضية، وهو مشروع به شيء غير عادي ومحفوف بالمخاطر، ويحمل أملا خفيا براقا - لا يتحقق قط - بإمكانية تحقيق ثروة.
كان ينظف السمك في شرفته، وإذا شعر برغبة في تناول الطعام كان يقلي بعض السمك على الفور في مقلاة بها طبقات من الدهون العتيقة التي تطلق الكثير من الدخان، ويأكل من المقلاة مباشرة. ومهما كان الجو حارا أو مشمسا بالخارج، كان يترك النور مضاء؛ مصباحا واحدا يتدلى من السقف، غير أن الفوضى الجامحة التي تسيطر على المكان والتراب من شأنهما أن يبتلعا أي بصيص للضوء.
وفي طريقنا أنا وأوين للعودة إلى المنزل، كنا نحاول أحيانا إحصاء الأشياء التي يملكها في منزله أو حتى في مطبخه فحسب. «جهازان لتحميص الخبز؛ أحدهما ذو أبواب والآخر تضع الخبز فوقه .» «مقعد سيارة.» «حشية فراش مطوية، وأكورديون.»
ولكننا لم نكن نستطيع إحصاء نصف الأشياء، وكنا نعلم ذلك، فما كنا نذكره كان يمكن أن يؤخذ من المنزل ولن يكتشف العم بيني غيابه قط، فما هي سوى حفنة أشياء بارزة على سطح ثروة هائلة من الحطام؛ كومة ضخمة مظلمة متعفنة من السجاد، والمشمع، وقطع من الأثاث، وأجزاء من آلات، ومسامير، وأسلاك، وأدوات، ومعدات. كان ذلك هو المنزل الذي عاش فيه والدا العم بيني طوال حياتهما الزوجية. (كنت بالكاد أتذكرهما، عجوزان ضخما الجثة شبه كفيفين يجلسان في الشرفة في ضوء الشمس، ويرتديان طبقات عديدة من الثياب الداكنة المتنافرة.) وهكذا فإن جزءا من تلك الأكوام عمره تقريبا خمسون عاما أو نحو ذلك من الحياة العائلية، ولكنه يشمل أيضا الأشياء التي يتخلص منها الآخرون، أو أشياء كان العم بيني يطلبها من الغير ويحصل عليها، أو حتى يجرها بمشقة من مقلب نفايات مدينة جوبيلي. ويقول إنه يأمل في إصلاح تلك الأشياء وجعلها قابلة للاستخدام وبيعها، فلو كان يعيش في مدينة، كان سيدير متجرا ضخما للخردة ويقضي حياته بين أكوام الأثاث المتسخ والأجهزة التالفة والأطباق المكسورة، وصور أقارب الآخرين التي تراكم فوقها التراب. لقد كان يرى قيمة وأهمية للحطام في حد ذاته، ولكنه كان يتظاهر - أمام نفسه وأمام الآخرين على حد سواء - أنه يقصد الاستفادة منه على نحو عملي.
ولكن ما كنت أفضله في منزله ولا أمل منه أبدا هو أكوام الصحف المتراكمة على الشرفة. لم يكن لديه جريدة «هيرالد أدفانس» الخاصة بمدينة جوبيلي، أو جريدة المدينة التي تصل لصندوق البريد لدينا بعد صدورها بيوم، ولم يكن مشتركا في «فاميلي هيرالد» أو «ذا ساترداي إيفينينج بوست»، ولكن صحيفته كانت تأتي مرة في الأسبوع، وكانت سيئة الطباعة على ورق خشن وتبرز العناوين الرئيسية بخط ارتفاعه ثلاث بوصات. وكانت تلك الصحيفة هي نافذته الوحيدة لمعرفة أخبار العالم الخارجي؛ إذ نادرا ما كان لديه مذياع يعمل، وقد كان ذلك العالم مختلفا عن ذلك الذي يقرأ والداي عنه في الصحف أو يسمعان عنه في الأخبار اليومية. فلم تكن العناوين الرئيسية لها علاقة بالحرب التي كانت قد بدأت في ذلك الوقت، أو بالانتخابات، أو موجات الحرارة، أو الحوادث، بل كانت كالتالي:
أب يطعم ابنتيه التوءمين للخنازير
امرأة تلد قردا بشريا
رهبان مخبولون يغتصبون عذراء على الصليب
امرأة ترسل جسم زوجها في البريد
كنت أجلس وأقرأ على حافة الشرفة المتهاوية وقدماي تداعبان نبات قرنفل الشاعر، الذي لا بد أن والدة العم بيني هي التي زرعته، وأخيرا يقول العم بيني: «يمكنك أخذ تلك الصحف معك إذا أردت، فقد انتهيت من قراءتها كلها.»
अज्ञात पृष्ठ