ولكي يقنع أمي، قال أبي إن مادلين قد تكون ذهبت إلى الولايات المتحدة حيث لا يمكن أن يجدها أحد، فالعديد من الأشخاص الفاسدين والمجانين - بالإضافة إلى الطموحين ومن لا يروق لهم الاستقرار - يذهبون إلى هناك في نهاية الأمر.
ولكن مادلين لم تذهب إلى هناك؛ ففي وقت لاحق في الربيع وصل منها خطاب. كان لديها الجرأة كي ترسل خطابا، كما قال العم بيني الذي أحضر الخطاب وأرانا إياه. وجاء في الخطاب، بلا أي تحية: «لقد تركت سترتي الصفراء ومظلة خضراء وبطانية ديان في منزلك، أرسلهم إلي على هذا العنوان: 1249 شارع ريدليت، تورونتو، أونتاريو.»
كان العم بيني قد قرر بالفعل أنه سوف يذهب إلى هناك وطلب اقتراض السيارة. ولم يكن قد ذهب إلى تورونتو من قبل، وعلى طاولة المطبخ بسط أبي خريطة الطريق ليريه كيف يصل إلى هناك، مع أنه تساءل عما إذا كانت الفكرة برمتها فكرة سديدة. قال العم بيني إنه ينوي إحضار ديان معه، ولكن أمي وأبي أوضحا له أن هذا غير قانوني ونصحاه بألا يفعل، ولكن العم بيني - الذي كان شديد الخوف من اتخاذ أي إجراء قانوني رسمي - لم يكن قلقا على الإطلاق من القيام بما قد يتحول إلى عملية اختطاف. وبدأ يروي لنا ما كانت تفعله مادلين: كانت تربط ساقي ديان في ألواح الفراش بأحزمة جلدية، وكانت توسعها ضربا بعصا خشبية، وربما تكون فعلت ما هو أسوأ عندما لم يكن موجودا بالمنزل؛ إذ كان يعتقد أن هناك علامات للمسعر على ظهر الطفلة. وبينما كان يقص علينا كل ذلك تملكت منه ضحكته الخافتة الاعتذارية، وكان عليه أن يهز رأسه ويبتلعها.
تغيب العم بيني مدة يومين، وفتح أبي أخبار الساعة العاشرة قائلا: «حسنا، علينا أن نرى ما إذا كان بيني العجوز قد ألقي القبض عليه!» وفي مساء اليوم الثاني، وصل العم بيني بالسيارة إلى فناء منزلنا وجلس هناك لحظة دون أن ينظر إلينا، ثم خرج ببطء وسار بوقار وإعياء نحو المنزل. لم تكن ديان معه. هل توقعنا أن يأتي بها؟
كنا نجلس على الرصيف الإسمنتي الذي يقع خارج باب المطبخ، وكانت أمي تجلس على الكرسي القماشي المائل الظهر الخاص بها، كي يذكرها بمروج الحضر وكيفية قضاء وقت الفراغ هناك، وكان أبي يجلس على أحد مقاعد المطبخ المستقيمة الظهر. لم يكن هناك سوى القليل من الحشرات في هذا الوقت المبكر من الموسم، وكنا نتأمل الغروب. كانت أمي أحيانا تجمعنا كلنا كي نتأمل الغروب كما لو كان حدثا قد رتبت هي له، وهو ما كان يفسد جمال الحدث قليلا - وبعد وهلة كنت أرفض تأمل المنظر تماما - ولكن على أية حال لم يكن ثمة مكان أفضل في العالم لمشاهدة الغروب من نهاية طريق فلاتس. حتى أمي نفسها أقرت بذلك.
كان أبي قد ثبت الباب السلكي في ذلك اليوم، وكان أوين يتأرجح فوقه متحديا الأوامر كي يسمع الصوت المألوف للزنبرك وهو يتمدد ثم يعود بحركة مفاجئة إلى مكانه. ويأمره والداي بأن يتوقف وألا يفعل ذلك، ولكنه يعود ويفعلها مرة أخرى بحذر شديد من ورائهما.
كانت هالة من الكآبة تحيط بالعم بيني، حتى إن أمي نفسها لم تتمكن من سؤاله مباشرة، وطلب مني أبي بصوت منخفض أن أحضر مقعدا من المطبخ. «اجلس يا بيني. هل أنت منهك القوى من القيادة؟ كيف كان أداء السيارة؟» «كانت جيدة.»
جلس العم بيني ولم يخلع قبعته، بل جلس متصلبا كما لو كان في مكان غريب لا يتوقع فيه الترحيب أو حتى يتمناه. وأخيرا، كسرت أمي حاجز الصمت وتحدثت إليه في نبرة أرغمتها على أن تخرج عادية ومبتهجة. «حسنا، هل تسكن هي وابنتها في منزل أم في شقة؟»
فقال العم بيني على مضض: «لست أدري.» وبعد قليل أضاف: «فلم أعثر على منزلهما قط.» «لم تجد منزلهما؟»
فهز رأسه نافيا. «إذن، فلم ترهما؟» «كلا، لم أرهما.» «هل فقدت العنوان؟» «كلا، فقد كتبته على هذه الورقة التي أحتفظ بها هنا.» وأخرج محفظته من جيبه وأخرج منها قصاصة من الورق أراها لنا، وقرأ ما بها: «1249 شارع ريدليت»، ثم طواها وأعادها إلى جيبه. بدت كل حركاته بطيئة رسمية تملؤها الحسرة. «لم أتمكن من العثور عليه، لم أتمكن من العثور على المكان.» «ولكن هل حصلت على خريطة للمدينة؟ أتذكر لقد قلنا إن عليك الذهاب إلى محطة بنزين وطلب خريطة لمدينة تورونتو.»
अज्ञात पृष्ठ