أخرجت علبة تبغ وبضعة ورقات لف سجائر من جيب مئزرها. «لست سيدة معمدانية، فأنا أستمتع بالتدخين بين الحين والآخر. هل أنت معمدانية؟» «كلا أنا أذهب للكنيسة مع جارنيت.» «أعتاد جارنيت الذهاب إلى هناك بعد أن تورط في المشاكل، هل لديك فكرة عن المشاكل التي تعرض لها جارنيت؟» «نعم.» «ما حدث أنه ارتاد الكنيسة بعدما مر به من مشاكل، وأنا لم أقل قط إن هذا ليس شيئا جيدا له، لكنه اكتسب بعض الأفكار المتشددة. كنا جميعا - ولا نزال - نتبع الكنيسة المتحدة، لكن تفصلنا عن الكنيسة المتحدة مسافة بعيدة بالسيارة، وأنا أحيانا أكون في العمل، فلا فرق بين أيام الأحد والأيام الأخرى في المستشفى.» أخبرتني أنها تعمل في مستشفى بورترفيلد كمساعدة ممرضة، وقالت: «أنا وجارنيت نعول هذه الأسرة، فالمزارع مثل هذه لا تدر ما يكفي من دخل لإعالة الأسرة.» ثم أخذت تروي لي حوادث رأتها في المستشفى؛ مثل طفل أتى إلى المستشفى مسموما حتى إن لونه كان أسود كلون طلاء الأحذية، ورجل أتى ويده مسحوقة، ورجل أتى بصنارة لصيد سمك تخترق إحدى عينيه، وأخبرتني كذلك أنها رأت ذراع شخص تتدلى من مرفقه لا تربطها به سوى قطعة جلد. أما جارنيت فقد اختفى. وفي ركن الشرفة، جلس رجل يرتدي رداء سرواليا وكان ضخما وشاحب اللون كتمثال بوذا، غير أنه يفتقر إلى التعبير المسالم الذي يرتسم على وجوه تماثيل بوذا. وقد ظل يرفع حاجبيه ويظهر أسنانه في ابتسامة تختفي على الفور، ظننت في البداية أن هذا تعليق تهكمي على قصص المستشفى هذه، لكنني أدركت بعد ذلك أنه تقلص لا إرادي يحدث في وجهه.
توقفت الفتاتان عن التقافز وجاءتا لتجلسا حول أمهما لتخبراها بأي تفاصيل قد تكون فاتتها وهي تحكي. أما الصبية فقد شرعوا في الشجار في الفناء وأخذوا يتمرغون في الوحل الجاف مرارا في شجار صامت ضار، حتى إن ظهورهم العارية استحالت بنية ناعمة كباطن لحاء الشجر، فصاحت الأم محذرة: «سآتي بإبريق ماء مغلي، وأحرق به جلودكم.» قالت إحدى الفتيات: «هل تحب هي أن ترى جدول الماء؟»
وكانت تقصدني أنا. اصطحبتاني إلى جدول الماء الذي كان عبارة عن مجرى هزيل من المياه بنية اللون بين الصخور البيضاء المستوية، كما أرتاني إلى أين يصل في فصل الربيع، وفي إحدى السنوات أغرق هذا الجدول بيتهم. واصطحبتاني إلى مخزن التبن كي أرى عائلة من القطط الوليدة التي كانت برتقالية وسوداء اللون ولم تكن قد فتحت عيونها بعد، ثم إلى الإسطبل الخالي لأرى كيف أن الحظيرة كانت قائمة على أعمدة وعوارض مؤقتة، «إذا ما تعرضنا يوما لعاصفة عاتية فستتهاوى هذه الحظيرة.»
أخذت الفتاتان تثبان مرحا في الإسطبل وتغنيان أغنية من تأليفهن: «هذه الحظيرة القديمة ستتهاوى، ستتهاوى ...»
ثم اصطحبتاني في جولة في أرجاء المنزل. كانت الحجرات واسعة والأسقف مرتفعة وبها قدر ضئيل من الأثاث الذي كان يوضع بشكل غريب. كان ثمة فراش نحاسي في حجرة بدت أنها حجرة معيشة، ويتراكم في الأركان وعلى الأرض أكوام من الملابس والأغطية كما لو أن العائلة قد انتقلت لتوها إلى هذا البيت. والعديد من نوافذ البيت لا تغطيها ستائر، وكان ضوء الشمس يخترق الحجرات المرتفعة من خلال الأشجار التي لا تكاد تتحرك مما جعل الحوائط مغطاة بظلال مورقة طافية. ورأيت كذلك الآثار التي تركتها مياه الفيضان على الحوائط، وبعض صور المجلات التي قصوها ولصقوها على الحوائط، كانت صورا لنجوم السينما ولسيدات يرتدين فساتين شفافة في دعاية لفوط صحية.
وفي المطبخ كانت الأم تغسل الخضروات: «هل تحبين أن تعيشي هنا؟ هه! قد يبدو المكان عاديا لأي من قاطني المدينة، لكننا هنا نجد كفايتنا من الطعام، والنسيم هنا عليل ورائع في الصيف بالقرب من جدول الماء. جو بارد في الصيف دافئ في الشتاء، إنه أفضل موقع أعرفه لمنزل.»
وكان جميع ما في البيت من مشمع مسودا وبه نتوءات لم يبق إلا آثار متقطعة من تطريزه القديم، وكانت قطع المشمع متروكة تحت الطاولة، وبجوار النافذة حيث لا يوجد ما يمكن فرشه. شممت رائحة يخنة دجاج تطبخ.
فتح جارنيت الباب السلكي ووقف متجهما في مقابل الضوء الساطع في الفناء الخلفي، وكان يرتدي سروال العمل ولا يرتدي قميصا. «لدي شيء أريد أن أريك إياه.»
خرجنا إلى الشرفة الخلفية وكانت معنا شقيقتاه أيضا؛ وطلب مني أن أنظر إلى أعلى. في الجانب السفلي من أحد أعمدة سطح الشرفة حفرت قائمة بأسماء فتيات وأمام كل اسم منها وضعت علامة
X . صاحت إحدى الشقيقات قائلة: «إنهن رفيقات جارنيت!» ثم انفجرن في الضحك، لكن جارنيت قرأ بصوت عال بنبرة جادة: «دوريس ماكايفر! كان والدها - ولا يزال - يمتلك مصنع أخشاب بعد مدينة بلو ريفر، لو كنت تزوجتها لصرت ثريا!»
अज्ञात पृष्ठ