هو كتاب ليس كله من نبضات قلبه الذي يعشقها وما زال متيما في هواها، ولكن فيه إلى جانب ذلك فكر المفكر وعقل الأديب وحيلة الفنان.
بلى، إنه كان يحبها حبا لا يتسع القلب لأن يشرك فيه غيرها، فكان «قلبه» لها من دون النساء جميعا، ولكن الذكريات كانت تتوزع «فكره» فتوحي إليه من هنا ومن هنالك ومما يستجد على خواطره من بعد في معاني الحب والبغض والود والقطيعة.
هو كتاب يصور نفسه وخواطره في الحب، ثم يصور فنه وبيانه في لغة الحب، ثم ... ثم لا يصور شيئا من بعد مما كان بينه وبين صاحبته على وجهه وحقيقته، إلا أن يتدبر قارئه ويستأني ليستخلص معنى من معنى على صبر ومعاناة في البحث والاستقراء.
فما رأيت من رسالة فيها اللهفة والحنين، وفيها التذلل والاستعطاف، وفيها تصنع الغضب ودعوى الكبرياء، وفيها المنى الحالمة تتواثب بين السطور في خفة الفراشة الطائرة، وما رأيت من معنى تحاول أن تمسكه فيفلت، فهو فصل يؤدي أداءه في قصة هذا الحب العجيب.
وما قرأت من رسالة تصف ما كان في خلوة نفس إلى نفس، وتقص عليك في لغة الماضي حديث قلب إلى قلب، وتكشف لك عن سر الابتسامة ومعنى النظرة، وتتحدث إليك عن جمال الطبيعة وفلسفة الكون، فهو ذكرى من الماضي البعيد، وكان حبا في القلب فصار حديثا في الفكر، ثم استتبع شيء شيئا.
وما قرأت من قول مزوق، وبيان منمق، ومعنى يلد معنى، وفكرة تستجر فكرة، وعبارة تتوكأ على عبارة، فهو من أداء الفن وولادة الفكر.
ولقد تجد رسالة كلها حنين ولهفة، أو حادثة وذكرى، أو فن من الفن، ولقد تجد كذلك رسالة غيرها تجمع هذه الثلاثة في قرن، ففيها قلب ينبض، وذكرى تعود، وبيان مصنوع.
فإذا أنت عرفت هذه الثلاثة، عرفت الكتاب، وعرفت صاحبه، وخرجت منه بشيء. •••
يبدأ أوراق الورد بمقدمة بليغة في الأدب يتحدث فيها عن تاريخ رسائل الحب في العربية بأسلوب هو أسلوب الرافعي، وإحاطة هي إحاطته، وسعة اطلاع لا تعرفها لغيره، وهذه المقدمة وحدها هي باب في الأدب العربي لم ينسج على منواله ولم يكتب مثله، تذكر قارئها ذلك النهج البارع الذي نهجه الرافعي العالم المؤرخ في كتابة «تاريخ آدب العرب»، فكان به أول من كتب في تاريخ الأدب وآخر من كتب ...
وتأتي بعد هذا الفصل مقدمة الرسائل، وفيها سبب تسمية الكتاب، وهو شيء مما كان بينه وبين صاحبته. يقول: إنه كان في مجلسها يوما ومعها وردة، فأخذت تحدثه عن الحب وعمر الحب، وعن الورد وعمر الورد، وكأنها تقول له: احذر أن تجعل حظك من الوردة أكثر من أن تستنشيها على بعد من دون لمسة البنان، واحذر في الحب ... قال: «ثم دنت الشاعرة الجميلة فناطت وردتها إلى عروة صاحبها، فقال لها: وضعتها رقيقة نادية في صدري، ولكن على معان في القلب كأشواكها ... فاستضحكت وقالت: فإذا كتبت يوما معاني الأشواك فسمها أوراق الورد ... وكذلك سماها.»
अज्ञात पृष्ठ