مصري
ومن النوع الثالث من هذه الرسائل، كان استمداد الرافعي ووحيه ودنياه الجديدة، وإلى القراء نماذج مختلفة من هذه الرسائل: (1)
هذه رسالة فتى في العشرين، يكتب إلى الرافعي من الإسكندرية، يقول:
أستاذي الكبير
ليس لي الآن إلا ربي وأنت يا أستاذي، وإن من حقك علي أن أسألك حقي عليك، وقد هداني الله إليك ... قرأت وتدارست ما كتبته عن الانتحار، فماذا تقول في امرئ علم عمن الجنة تحت أقدامها أنها فسقت وزلت، فهو يتحين الفرصة ليقتلها، إني أبكي يا أستاذي إذ أعيد هذا القول، أبكي دما، لي إخوة وأنا أكبرهم، ولا أخاف إلا أن لي أختا، وأبي - غفر الله له - ليس له ما يكون للرجل من معاني الرجولة ليضمن ألا يكون في بيته شيء مما قد كان ...
الشك يساورني منذ أكثر من عامين، واليوم فار التنور؛ إذ سمعت أنها حبلى، ووقع في يدي ما ملأني يقينا بتصديق إثمها، ولقد هممت أن أفعل ما لا يفعل، وأنا أخشى ألا يتداركني حكمك ... ماذا تقول يا أستاذي؟ أنا الصابر أبدا كاد الصبر يتلاشى من نفسي، أنا المطمئن أبدا كاد أمري يضيع من يدي، أنا كالمجنون لا يبقيني شبه عاقل إلا أنت، فماذا تقول يا أستاذي وبماذا تحكم؟ يكتبها الله لك فتداركني برأيك ...
ولك مني شكر من يسأل الله ويسعى إلى أن يكون بنفسه وحياته من حسنات تربيتك، وأن يكون في اليوم الآخر كلمة من سطر من كتابك القيم ...
ومعذرة لي من لدنك إن أغفلت الآن اسمي.
في 14 / 5 / 1935 (2)
وهذه معلمة في إحدى مدارس الحكومة، حامت حولها ريبة فوقفتها وزارة المعارف حتى تحقق أمرها، فكتبت إلى الرافعي تسأله أن يعينها بجاهه حتى تعود إلى عملها الذي تعول منه أبويها، فيشفق عليها الرافعي ويسعى سعيه لبراءتها ... وعادت إلى عملها، وحفظت الجميل للرافعي، فكانت تكتب إليه كل أسبوع رسالة تبثه خواطرها وتصف له من أحوالها وما تعمل؛ وتكثر رسائلها إلى الرافعي حتى يزول الحجاب بينهما، فتصرح له بما لا تصرح فتاة، ويئول أمرها في النهاية أن تكتب إلى الرافعي بأنها عاشقة ... وأن معشوقها الصغير - التلميذ في إحدى المدارس الصناعية بالقاهرة - لا يعلم ما تكن له! هي تلقاه وتماشيه، وتخلو به خلوات «بريئة»! ولكنها لم تكشف له عن ذات نفسها، وتأكلها النار في صمت ...! وتقول في رسالتها إلى الرافعي: ... فدبرني يا سيدي في أمري، قلبي يحس أنه يحبني، لقد قالتها لي عيناه، ولكنه لم يتحدث إلي، ولست أجد في نفسي القدرة على التصريح له ...
अज्ञात पृष्ठ