وكانت للرتب أسعار مقررة من الباشوية إلى البيكوية من الدرجة الثالثة.
فكانت رتبة الميرمران الرفيعة بألف جنيه، ورتبة البيكوية من الدرجة الأولى تباع بثمن يتراوح بين خمسمائة جنيه وسبعمائة جنيه، وكانت رتبة البيكوية من الدرجة الثانية تباع بأربعمائة جنيه أو ثلاثمائة جنيه، وتقدر أسعار النياشين والأوسمة بمقدار قيمتها من المعدن والجواهر وقيمتها من الأولية في ترتيب التشريفات.
ولقد بيعت رتب كثيرة في القهوات، وبيعت رتب مثلها في مكاتب التحرير والتوكيل ... ولكنها لم تهبط في السوق - على ما نعلم - إلى ما دون مكاتب التوكيل في القاهرة والإسكندرية ... ولو أن سمسارا من سماسرتها خانه الحظ أو غلبه الطمع، فباع رتبة من هذه الرتب لرجل محكوم عليه في جريمة شائنة، لبقيت هذه التجارة موردا للصحافة إلى ختام عهد الخديويين ...
والوكالة البريطانية وسفارة فرنسا كانتا في هذا المجال ندين كفأين أو أكثر من كفأين لقصور الملوك والأمراء، ولكن الوكالة البريطانية كانت تكافئ خدامها بالمنافع الجزيلة من الوساطات والشفاعات في دواوين الحكومة، وقد تجود بالمال من مصروفات «الميزانية» ومن مصروفاتها هي إذا اقتضى الحال، ولا تقصر السفارة الفرنسية عن زميلتها في بذل هذه الإعانات على اختلافها، ولكنها كانت تعوض الخدمات الحكومية بالصفقات التجارية، ومساعدات المصارف والشركات، وقل منها ما لم تكن للفرنسيين مساهمة فيه ...
ومن الوظائف التي كانت تبدو للنظر بريئة من هذه الشبهات وظيفة المدير العام لدار الكتب المصرية، التي كانت موقوفة - باتفاق العرف - على علماء الألمان، ولكن هذه الوظيفة عملت في الدعاية الخفية أحيانا ما لم تعمله وظيفة في السفارات السياسية، وكان اتصال المدير العام لدار الكتب بزمرة الصحفيين وحملة الأقلام أمرا لا غبار عليه؛ لأنهم كانوا يقصدون إلى دار الكتب للمطالعة والمراجعة والنسخ في جميع الأوقات، وماذا يحول دون الاتفاق على حملة منظمة في الصحف خلال مقابلة أو مقابلتين لنسخ هذه الورقة أو استعارة ذلك الكتاب؟
ونعود إلى الدستور
ونعود إلى صحيفتنا التي بدأنا فيها علمنا، نسأل: كيف عاشت من مواردها الصحفية؟ وكيف كانت ترجو أن تعيش كما عاشت الصحف في أيامها؟
نقول اليوم: إن ظهورها بوسائلها التي عهدناها، ولا يخامرنا الشك فيها، كان عجبا من العجب، وخلاصة ما يقال عنها: إن قلة مصروفاتها كانت هي السند الأكبر لبقائها المزعزع في عمرها القصير.
ضاع الأمل في الاشتراكات بعد شهر أو شهرين، ولم يكن صاحب الصحيفة - على شهرته بالنظريات - مجردا من الدراية الحسنة في تنظيم الأعمال، فاخترع طريقة الاشتراك الشهري بالأذونات مع خصم رسوم البريد من بعض هذه الأذونات، وأفادت هذه الطريقة قليلا، ولكنها كانت - على أحسنها - فائدة تأجيل للقضاء المحتوم.
وكسدت سوق البيع بعد الخلاف بين الدستور واللواء، فقصرت الإدارة عدد المطبوع من النسخ على الطلب اليومي، ولم يزل هذا الطلب اليومي يتناقص من أسبوع إلى أسبوع ...
अज्ञात पृष्ठ