नई दुनिया में विचार का जीवन
حياة الفكر في العالم الجديد
शैलियों
10
إن كانت علاقة العقل المطلق، أو الله، بعقول الناس الأفراد، هي أن هذه العقول الجزئية أجزاء من ذلك العقل الكلي؛ بحيث تستطيع أن تنساب فيه، فتطلع على ما كان يستحيل عليها أن تدركه في عالم الحواس، فما علاقة الله بالعالم الطبيعي؟ علاقته به هي نفسها العلاقة القائمة بين عقل الإنسان الفرد وجسده، فلنا أن نسأل الآن: كيف يتصل عقل الإنسان بجسده لنقيس على ذلك علاقة الله بالعالم الطبيعي؟ فالجسد بحركته وسلوكه يعبر عن الذات العاقلة، لكنه يعبر عنها في الجوانب التي يمكن وصفها، ويمكن للآخرين مشاهدتها، يعبر عنها في الجوانب التي يمكن خضوعها للقياس، أما بقيتها المضمرة فمكنونة مصونة لصاحبها وحده، يدركها بالتأمل في نفسه، فإن أحسست في نفسي عزما وإرادة على القيام بعمل ما، ثم أديت ذلك العمل، فالطرف البادي لأنظار المشاهدين هو الطرف الخارجي، طرف العمل الذي أديته، وأما الطرف المضمر في نفسي، الدفين في ذاتي، الذي لا يراه أحد سواي، فهو جانب العزم والإرادة، فإن جاء مشاهد ووصف ما رآه مني، فإنما يصف الجانب الظاهر، ويستحيل عليه أن يتغلغل إلى الجانب الباطن ليراه فيصفه، إلا أنه يستطيع أن يستدل ما خفي عنه مما ظهر له، قياسا على ما يراه في نفسه هو، ولولا هذا القياس على نفسه لما استطاع أبدا أن يلم أقل إلمام بما دار في نفسي إزاء ذلك العمل الذي أديته.
وعلى هذا القياس تكون علاقة الله بالعالم الطبيعي الظاهر، فهذا العالم هو الجسد الكبير الذي يعبر الله عن نفسه فيه، لكننا مهما دققنا النظر فيما نرى، فلن نرى إلا التعبير الظاهر من حركة ومادة؛ لأن الطرف الباطن هو - كما هي الحال في ذواتنا الجزئية - مستحيل على المشاهدين من خارج، وعلى هذا الاعتبار تكون الطبيعة كلها جسما حيا في طيه روح، ألست ترى من جارك جسدا يتحرك فتستدل على أن وراءه روحا تحركه قياسا على روحك التي تحرك جسدك؟ نعم، تفعل ذلك في غير تردد؛ لهذا الشبه الشديد الذي تراه بين سلوكه وسلوكك، لكنك كلما رأيت الكائن يبعد بنوع سلوكه عن نوع سلوكك، تأخذ في التردد، ثم في رفض أن يكون لذلك الكائن ما لك من روح، فقولك بوجود روح في الحيوان استدلالا من سلوكه أعسر عليك من قولك بوجود روح في زميلك الإنسان، لكنه مع ذلك جائز، ثم تزداد الصعوبة بالنسبة للنبات، فها هنا تراك أكثر ترددا في القول بوجود روح فيه كما هي الحال فيك؛ لأن سلوك النبات قد بعد جدا عن نوع السلوك الذي يسلكه الإنسان، ومع ذلك فهو قول ليس بالمستحيل على كثير من الناس، حتى إذا ما جئنا إلى الجماد وجدت نفسك رافضا كل الرفض أن يكون في الصخرة أو قطعة الحديد روح، كذلك الروح الذي تدركه في ضميرك إدراكا مباشرا؛ لأن أساس الاستدلال هنا قد انهار، فلا شبه بينك وبين الصخرة أو قطعة الحديد في السلوك الظاهر؛ ومن ثم فليس فيهما ما تراه في نفسك من ذات شاعرة واعية، لكن ألا يجوز - كما يقول «رويس» - أن يكون الفرق راجعا إلى اختلاف في سرعة التتابع الزمني أو بطئه، بحيث نقول عن الشيء أنه يشبهنا في سلوكه إذا رأيناه في تتابع حركته تتابعا زمنيا يقرب مما نراه في سلوكنا، كما نقول عن الشيء إنه لا يشبهنا حين يسرع فيه ذلك التتابع أو يبطئ؟
11
ألا يجوز أن يكون سلوك الإنسان - عادة من عاداته مثلا - شبيها بدورة الأرض كل يوم مرة حول نفسها، أو كل عام مرة حول الشمس، لكننا إذا ما رأينا بطء الحركة في أداء الطبيعة لعاداتها بالقياس إلى سرعتها في أداء الإنسان لعاداته كالكلام والمشي، تعذر علينا أن ندرك وجه الشبه بين الإنسان في سلوكه والأرض في سلوكها، وعلى كل حال، فليس حتما أن نفترض أن في كل شيء مادي، كهذه المنضدة أو هذه القطعة من الصخر أو الحديد، روحا خاصا به، لكي نقول عن العالم الطبيعي إنه جسد حي، بل يكفي أن نفترض أن هذه الأشياء أجزاء من جسم أكبر، والجسم الأكبر هو الحي، وإن لم يظهر ذلك في أجزائه، والخلاصة هي أن الكون الأكبر - كالإنسان الأصغر - جسد وروح، فأما الجسد فهو عالم الطبيعة، وأما الروح الذي يبث في الجسم حركته ويسير به هنا أو هناك؛ فهو لله.
ولما كان «المطلق» (أو الله) مشتملا على كل شيء، فلا يمكن - بداهة - أن يحده شيء خارج نفسه؛ ومن ثم فهو الذي يختار لنفسه طريق فعله، أي إنه حر، لكن حريته هذه التي تعني ألا شيء خارج نفسه يقسره ويضطره إلى فعل معين، أقول: إن حريته هذه ليس معناها بالطبع ألا تجري الحوادث على نظام مطرد، وليس ثمة في الطبيعة كلها مكان للمصادفة، وبعبارة أخرى فإن الكون حر في كليته مجبر في أجزائه، وأما الإنسان فهو - عند رويس - كذلك مجبر بذاته (فالإنسان صورة مصغرة للكون) أي إنه حر إذا ما نظرنا إليه من ناحية نفسه الجوهرية التي تجعل منه فردا متميزا عن كل فرد سواه، لكنه من ناحية ظواهره السلوكية التي هي تعبير عن تلك النفس الباطنية، خاضع لقانون السببية كأي ظاهرة أخرى من ظواهر الطبيعة، ونعود إلى التفرقة التي فصلناها فيما أسلفنا، التفرقة بين جانبي الإنسان: جانب ذاته التي لا يدركها أحد سواه، وجانب جسده الذي هو مكشوف للمشاهدة الخارجية، فنقول: إن الجانب الأول - وهو الذي يخلع على الإنسان قيمته الروحية - حر في اختياره؛ ولذلك فهو مسئول عن أفعاله، وأما الجانب الثاني فجزء من الطبيعة التي تخضع في سيرها لقوانين السببية والاطراد، ولذلك فهو الجزء الذي يمكن أن يخضع للبحث العلمي، فلك أن تعيش حرا إذا أنت أبرزت من نفسك فرديتك المتميزة التي لا يشاركك فيها إنسان آخر، ولك أن تعيش عبدا إذا أنت أهملت ذلك الروح الفريد من شخصك، بحيث أصبحت جسما يتحرك في المكان وفق القوانين الطبيعية كما تتحرك سائر الأجسام.
ولما كان «رويس» يهتم كل هذا الاهتمام بالشخصية الإنسانية؛ فهو يؤكد خلود الأفراد ولا يغرقهم في «المطلق» على الرغم من أنهم جزء منه؛ إذ يعتقد ألا تناقض بين أن تبدأ الذات الفردية وجودها في الزمان - أعني ألا تكون أزلية - وبين أن يكون وجودها قائما إلى الأبد، فكل فرد إن هو إلا وجه متعين من أوجه الحياة الإلهية المطلقة، ويضرب لذلك مثلا جيدا يصور ما يريد، وهو مثل يسوقه من الأعداد، فمن داخل سلسلة الأعداد اللانهائية تستطيع أن تستولد سلاسل، كل منها لانهائي أيضا، ومع ذلك فكل منها له طابع فريد يميزها، كما يتبين مما يأتي:
1
2
3
अज्ञात पृष्ठ