नई दुनिया में विचार का जीवन
حياة الفكر في العالم الجديد
शैलियों
يقول «ثورو»:
32 «إنني لأرحب بكل قلبي بهذا الشعار: «أفضل الحكومات حكومة تحكم في أضيق دائرة ممكنة.» ولكني أدفع هذا القول إلى نتيجته، فأراه كأنما يصبح: أفضل الحكومات حكومة لا تحكم قط، فستكون هذه حكومة الناس في المستقبل، حين يعدون أنفسهم لها.
ولن تقوم دولة حرة مستنيرة بالمعنى الصحيح إلا إذا اعترفت الدولة بأن الفرد قوة عليا مستقلة في ذاتها تستمد منه كل ما لها من قوة وسلطان.
إن القول بأن الفرد خلق ليعيش في مجتمع أكذوبة كبرى، والعكس هو الأدنى إلى الصواب؛ فقد خلق المجتمع من أجل الفرد.
ويريد الناس أن يحتفظوا بما يسمونه سلامة المجتمع بأعمال العنف كل يوم، فانظر إلى الشرطة، وما تحمل من عصي، وما تعده للناس من أغلال! انظر إلى السجون والمقاصل! إننا نعطي الحكم للأغلبية لا لأنها أحكم، بل لأنها أقوى ... وإني لأرى كثيرا من الناس - إن لم أقل معظمهم - ضربا من الجثث المحنطة، لقد غادرتهم الحياة، ولكني مع ذلك لا أرى أجسادهم تتآكل وتنقضي وتتحلل، إنهم لا يزالون يحتفظون بصورة الأحياء، ولست أدري أين الملح الذي ينجيهم من الفساد، ويمنع عنهم الدود! إن من الأجساد ما يسلم من الفساد بعد الموت والدفن، فإن نبشت قبورهم بعد أعوام ألفيت أجسادهم طرية كأنها ماتت بالأمس، وهكذا بعض من أرى من الناس، فلقد انطفأ فيهم سراج الحياة منذ بعيد، ولكنهم لا يزالون يلبسون ما يشبه ملامح الأحياء.
إني لأحسب أن هذا الشعب يطلب من الرجال أوساطهم إنه يطلب من الآراء والأخلاق مألوفها، إنه لا يريد الأصالة والامتياز الواضح، فلن تصادف في نفسه الرضا إلا إذا كنت شبيها بعامته.»
ويقول في عدالة القانون ما يأتي:
33 «أليس من الجائز أن يصيب الفرد وتخطئ الحكومة؟ هل يجب أن نفرض القوانين على الناس فرضا، لا لشيء إلا لأنها صيغت على هذا النحو، ولأن نفرا من الناس قد أقر صوابها، وهي ليست بالصواب؟ هل ثمة ما يحتم على الفرد أن يكون أداة تنفذ عملا لا يوافق عليه؟ أيريد هؤلاء المشرعون أن يقضوا على الصالحين من الرجال؟ ... اسمعي أيتها الحكومات! إنك حين ألقيت القبض على أفذاذ الثائرين وجززت رءوسهم فلم تفعلي بذلك شيئا سوى أن ارتكبت جرما شنيعا، وأما رأس الشر فلم يصبه الأذى.
لا ينبغي أن تعلموا الناشئة احترام القانون بقدر ما يجب أن تعلموهم احترام الحق ... إن النتيجة الطبيعية لاحترام القانون بغير ما موجب هي أن ترى هذه الصفوف من الضباط والجنود تسير في نظام عجيب فوق السهل والجبل إلى حومات القتال رغم إرادتهم، نعم ورغم إدراكهم الفطري السليم ، ورغم ما تمليه عليهم الضمائر، وذلك يجعل سيرهم هذا شاقا عسيرا أشد ما يكون العسر والشقاء، إنه سير تلهث منه القلوب.»
هكذا كان يكتب «ثورو» فتجيء كتابته قبسات من قلبه الحساس، ومدار تفكيره - كما ترى - هو أن للفرد حق الثورة على الدولة، وله أن يمارس هذا الحق حيثما وقع من الدولة ما ينفر منه ضميره، إن حق الثورة لم يزل بزوال الثورة الاستقلالية التي قام بها الأمريكيون جماعة في القرن الثامن عشر، إنه حق يظل قائما أبدا، والعجيب أن «ثورو» في ثورته الفردية هذه على الدولة التي قال عنها إنها أجحفت وضلت السبيل، لم يكن صادرا عن أذى لحق بشخصه أو ظلم أحاق بصالح من صوالحه، إنما كانت ثورته لما لحق غيره من صنوف الإجحاف، كانت ثورته في سبيل غيره، كالزنوج العبيد، وكالهنود سكان البلاد الأصليين، وإذن فالأذى قد أحسه هو في لذع ضميره، كأنما هو لا يقصر واجب مقاومة الفرد لحكومته على الأمور التي تمس مصالح ذلك الفرد مسا مباشرا، بل يوسع من مداه، ويجعل المقاومة واجبة حيثما وقع من الحكومة طغيان، بغض النظر عمن نال منه ذلك الطغيان، وربما كانت المقاومة أوجب إذا ما نزل الطغيان ببلد أجنبي وقوم غرباء.
अज्ञात पृष्ठ