غلب عليَّ الجوع، فأتني بشيء آكله، فأقحمت فرسي البرِّيَّة، فما أصبت إلاَّ بيض النَّعام، فأتيته فوجدته نائمًا وإذا تحت رأسه شيء كهيئة الخشبة، فاستللته فإذا هو سيف عرضه شبر في سبعة أشبار. فضربت ساقيه ضربة أبنتُ الساقين مع القدمين، فاستوى على فقار ظهره، وهو يقول: قاتلك الله ما أغدرك يا غدَّار.
قال عمر: ثم ماذا صنعت؟ قلت: فلم أزل أضربه بسيفه حتى قطَّعته إربًا إربا.
قال: فوجم لذلك "عمر" ثم أنشأ يقول "من البسيط":
بالغدرِ نلتَ أخا الإسلام عن كثبٍ ... ما أن سمعت كذا في سالفِ العربِ
والعُجْمُ تأنفُ ممّا جئتهُ كرمًا ... تبًّا لما جئتهُ في السيد الأربِ
إني لأعجبُ أنّى نلتَ قِتلَتهُ ... أم كيف جازاكَ عن الذنب لم تتبِ
لو كنتُ آخذُ في الإسلام ما فعلوا ... في الجاهلية أهل الشرك والصُّلُبِ
إذًا لنالتكَ من عدلي مشطَّبَةً ... يُدعى لذائقها بالويل والحَرَبِ
قال: ثم ماذا كان من حال الجارية؟ قلت: ثم إني أتيت الجارية، فلمّا رأتني قالت: ما فعل الشيخ؟ قلت: قتله الحبشيُّ. قالت: كذبت، بل قتلته أنت بغدرك. ثم أنشأت تقول "من الخفيف":
عيني جودي للفارسِ المغوارِ ... ثم جودي بواكفاتٍ غزارِ
لا تملِّي البكاءَ إذ خانك الده ... ر بوافي حقيقةٍ صبَّارِ
وتقيٍّ وذي وقارٍ وحلمٍ ... وعديلِ الفخارِ يوم الفخارِ
لهفَ نفسي على بقائكَ عمرو ... أسلمتك الأعمارُ للأقدارِ
ولعمري لو لم تَرُمْهُ بغدرٍ ... رُمْتَ ليثًا بصارمٍ بتَّارِ
فاحفظي قولها، فاستللتُ سيفي، ودخلتُ الخيمة لأقتلها، فلم أرَ في الخيمة
1 / 55