لأنها مضت بعد الحادثة من غير أن تثني علي ثناء صريحا، ولا اهتمت أن تعرف من هو الذي دافع عنها، بل أدارت ظهرها ومشت قبل أن ننتهي من مشاجرتنا القصيرة، لماذا لم أؤاخذها على هذا الإهمال، بل عزوته إلى سمو قدرها؟ لأن الحب الذي يعظم المحبوب في عيني المحب يختلق المعاذير.
أظن أن دجية الهجوع لم تنسدل على قضاء خيالاتي حتى الساعة الثالثة بعد نصف الليل، وما طنت السابعة حتى فتق بصري غشاء الكرى، وشعرت كأن عيني قد استوفتا حاجتهما من النوم.
قضيت ذلك النهار وفكري حائم حول إيفون لا يصرفه شاغل عنها، حتى يعود فينتهي إليها.
ذهبت في ذلك المساء إلى قهوة الجيزة، ولماذا لم أذهب إلى مكان آخر؟ أليس طبيعيا أن أذهب إلى هناك لعلي أصادف إيفون؟ هناك رأيتها أول مرة، وإلى هناك ظننتها تتردد لم أعلم أين يمكن أن أصادفها في غير الجيزة.
كانت قهوة الجيزة مزاري كل مساء في ذلك الأسبوع من الخامسة، حتى السابعة وإيفون لم تومض لها بارقة في ذلك الأفق. وبعد السابعة كنت أعود، فأطوف الحانات الكبرى والصغرى، فلا أعثر حتى على طيف منها، لم أكن أعرف اسمها حينئذ لأسأل عنها.
إذا كانت مومسا فلماذا لا توجد في الأزبكية؟ لماذا لا تتمشى مع رصيفاتها بين وجه البركه ونيوبار؟ لماذا لا تصادف في «سنت جايمس» ولا في «السفنكس»
2
وإذن كانت من البغيات. وإن كانت محصنة أو محظية فلماذا ذهبت وحدها إلى الجيزة؟ حرت في أمرها وكنت أزداد افتكارا بها يوما بعد آخر حتى صارت شغل بالي الشاغل، لم أعد أستطيع أن أفكر بسوى إيفون، فكان فكري كالغصن المعتدل المرن إذا لوته المشاغل عنها هنيهة، فلا يعتم أن يعتدل مصوبا إليها.
لماذا كلفت بإيفون هذا الكلف مع أني لم أعرفها، ولا رأيتها إلا مرة واحدة قصيرة؟ لأن النفس كانت تطمعني بقلبها بالرغم مما توهمته من خيلائها، حدثني ضميري أنها إذا رأتني فلا بد أن تثني علي وتلاطفني، وفي خلال ذلك على ولوعي بها فتميل إلي.
خطر لي في اليوم التاسع - وكان يوم الاثنين - أن أعدل عن التنزه في الجيزة في ذلك اليوم، لم أدر لماذا؟ مع أن نفسي كانت ميالة إلى التنزه هناك، فركبت مركبة وقصدت إلى الجزيرة وأنا أقول لنفسي: «لعلي أراها هناك.»
अज्ञात पृष्ठ